- وبعد عامين فقط رأى والدها أن يزوجها، وعقدت خطبتها على فتى نبيل أسباني يدعى الدون شيروبان؛ ثم ألغيت هذه الخطبة بعد بضعة أشهر فقط، وعقدت خطبة لوكريسيا على نبيل أسباني آخر يدعى الدون جسبارو، وذلك في إبريل سنة ١٤٩٢ وكانت لوكريسيا عندئذ في الثانية عشر، وكان خطيبها في الخامسة عشرة.
ولم تمضِ سوى أشهر قلائل حتى وقع حادث عظيم في حياة ردريجو بورجيا. ذلك أنه في ليله ١١ أغطس سنة ١٤٩٢، أنتخب لعرش البابوية، وتولاه باسم اسكندر السادس؛ وكان عندئذ في الحادية والستين.
وكان اسكندر السادس من أعظم الأحبار الذين تولوا كرسي القديس بطرس؛ وكان رجلاً وافر الذكاء والعزم، وافر الدهاء والجرأة، قوى الشكيمة، مقداماً لا يحجم عن وسيلة لتحقيق مشاريعه. وكان يعشق حياة المجون واللهو ويشغف بالمرح الخليع، ويهيم رغم سنة بالنساء الحسان، ويعيش في بذخ طائل.
وكانت مآدبه وحفلاته الشائقة من أعظم ظواهر الحياة الرومانية يومئذ، ولكنه كان رغم بذخه ومجونه وخلاعته يقبض على مصاير الكنيسة والبابوية بيد من حديد، ويوجهها طبق أرادته، ويأخذ بقسط وافر في مجرى الحوادث السياسية العظيمة التي كانت تجوزها الدول الإيطالية يومئذ؛ وكان يقرن مصاير الكنيسة بمصاير أسرته، ويعمل لمجد أسرته، وأولاده، ما استطاع سبيلاً، وبعد ابنه الأكبر شيزاري لمستقبل عظيم باهر؛ وقد ترك لنا الكردينال دي فتربو زميل اسكندر السادس ومعاصره عنه وعن مجتمع عصره تلك الصورة القوية الآتية:
(كان اسكندر ذا ذكاء خارق؛ وكان بارعاً، حازماً، نشيطاً ثاقب النظر، ولم يعمل أحد من قبل قط بمثل براعته، ولم يقنع بمثل صرامته؛ أو يقاوم بمثل ثباته. وكان يبدو عظيما في كلُّ شيء، في تفكيره وفي كلامه وفي عمله وعزمه؛ ولو تفتحت المواهب التي يتمتع بها، ولم تخنقها رذائلة العديدة، لكان أميراً وافر العظمة، وكان يخيل لمن يشهده في القول أو العمل أنه لم يكن ينقصه شيء ليقود العالم؛ فقد كان دائماً على أهبة لأن يحرم نفسه متعة الراحة، وكان يسرف في ملذاته، ولكنها لم تحل مطلقاً دون حملة عبء الشئون العامة. بيد أنا لا نستطيع رغم اتصافه بهذه الخلال أن نقول إن عهده امتاز بيوم سعيد؛ ظلمات وليل