عميقة. ولنضرب صفحاً عن هذه المآسي المنزلية المروعة، ولكن الاضطراب في الأراضي الكنسية لم يكن أشد وأخطر، ولم يكن السطو أكثر، والقتل والعيث في الطرق العامة أروع، ولم تكن طرق السفر أخطر، ولم تشهد رومة من قبل قط أياماً أسوأ ساد فيها الشر والجريمة واللصوص ولم يكن ثمة حق ولا حرية. كان المال والقوة والفجور صاحبة السلطان والحول؛ ولم تتحرر إيطاليا النير الأجنبي إلا يوم انهار ذلك الطغيان البربري).
كان اسكندر السادس أباً رحيماً يحب أولاده حباً جماً؛ وكان أول عمل عائلي قام به إثر ارتقائه عرش البابوية، هو إلغاء خطبة ابنته لوكريسيا لدون جسبارو؛ ذلك أنه لم يبقِ بعد قريناً كفؤاً لابنة سيد الكنيسة وخليفة النصرانية؛ وأرغم دون جسبارو على التنازل على الخطبة نظير مبلغ من المال، وطرحت مسألة زواج لوكريسيا على بساط البحث كرة أخرى. وهنا تدخلت العوامل السياسية التي أخذت تملي على اسكندر السادس خططه ومشاريعه في تقرير مصير ابنته؛ ذلك أن صديقه الكردينال اسكانيو سفورزا الذي كان أكبر عون له على ارتقاء عرش البابوية تسعى لعقد التحالف بين البابا بين أخيه لودفيكو سفوزرا طاغية ميلان ضد آل أورسيني أقوى أمراء رومة الإقطاعيين، وحماتهم آل أرجوان ملوك نابولي، ورأى توطيداً لهذا التحالف أن تزوج لوكريسيا من ابن أخيه جان سفورزا أمير بيزارو؛ وأثمر سعي الكردينال، وعقد الزواج في رومة في أبريل سنة ١٤٩٣؛ وكانت لوكريسيا يومئذ في نحو الثالثة عشرة، ولكن سجل في عقد الزواج أنها بلغت السن المرغوبة، وكان جان سفورزا في السادسة والعشرين.
واحتفل بزفاف لوكريسيا في قصر الفاتيكان في ١٢ يونيه احتفالاً فخماً شهده أكابر الأحبار والأمراء والسفراء؛ ومثل جان سفورزا على يد وكيله المختار طبقاً لرسوم العصر؛ وفي المساء أقيمت حفلة شائقة في قصر بلفيدير، تحت إشراف جوليا فارنسي خليلة البابا ونخبة من سيدات رومة، وشهدها اسكندر السادس وأعضاء أسرته. ويصف البابا شاهد عيان لهذا الحفل في قوله:(كان عظيم القامة، مورد الوجه، أسود العينين، يفيض صحة ظافرة، تمكنه من تحمل أعباء المنصب، وشؤون الدولة وعصف الملاذ، وكان دائماً متألقاً ظريفاً رقيقاً). أما لوكريسيا بورجيا فقد كانت عندئذ فتاة صغيرة القد، وافرة الحسن، شقراء تسطع كالذهب، خفيفة الروح والخلال، دائمة المرح، يزيد في سحرها الطبيعي القاهر، مزحة من