ولكن هذه السكينة لم يطل أمدها. ذلك أن اسكندر السادس ألغى فرصة جديدة للعمل السياسي؛ وكان ملك فرنسا الجديد لويس الثاني عشر يتوق إلى التخلص من زوجته جان دوقة بري، والتزوج من الدوقة حنه أرملة سلفه شارل الثامن لكي يستطيع أن يضم إمارتها بريطانيا إلى مملكته؛ وكان لابد له لإجراء الطلاق من مرسوم بابوي؛ فرأى اسكندر السادس أن يجيز هذه الرغبة، وبعث ولده شيزاري إلى فرنسا، ليلقي صيغة الطلاق، فاستقبله ملك فرنسا أعظم استقبال، وأنعم عليه بلقب دوق فالنتنوا؛ وعندئذ خلع شيزاري ثوبه الديني، وزوجه لويس الثاني عشر من أميرة فرنسية هي شارلوت دالبير أخت ملك نافار؛ وبذلك وثقت أواصر التحالف بين فرنسا والفاتيكان، وكلاهما خصم لمملكة نابل وكلاهما يدعي فيها حقوقا.
وهنا فكر شيزاري في التخلص من زوج أخته الجديد إذ غدا يراه عقبة في سبيل مشاريعه؛ وشعر الفونسو دوق بيزيليا بحرج مركزه في الفاتيكان إزاء تطورات الحوادث على هذا النحو، وخشى بالأخص غدر شيزاري وعدوانه، ففر من رومة والتجأ إلى ال كولونا في جينازارو، تاركا زوجه الفتية حاملا تبكي فراقه؛ واستمر يكاتب لوكريسيا ويتوسل إليها أن تلحق به، ولوكريسيا مستسلمة إلى حزنها لا تجرؤ على تلبية دعوته. فلما رأى البابا يأس ابنته، فكر في وسيلة للجمع بينها وبين زوجها، لا تؤذي كرامته في نفس الوقت، فعين ابنته حاكمة لسبوليتو؛ وسافرت لوكريسيا إلى سبوليتو مع أخيها الأصغر جوفروا؛ وهنالك لحق بها زوجها؛ وأقاما هناك مدى حين حتى هدأت العاصفة؛ ثم عادا معا إلى رومة؛ ولم تمض على عودتهما أيام قلائل حتى وضعت لوكريسيا غلاما سمى رودريجو باسم جده البابا رودريجو بورجيا (٣١ أكتوبر سنة ١٤٩٩).
واحتفل البابا بمولد حفيده في حفلات شائقة، وغدت لوكريسيا كأنها ملكة رومة يحف بها الحب والعطف والإجلال أينما حلت؛ وأقطعها والدها حكم عدة مدن وجهات من أملاك الكرسي الرسولي.
ولكن القدر المروع كان جاثما يتربص. ففي مساء ١٥ يوليه سنة ١٥٠٠، بينما كان الفونسو دي بيزيليا زوج لوكريسيا يصعد درج الفاتيكان المفضي إلى الجناح البابوي، إذ