ولما فتح عينه وردد نظراته في الجدار القائم إلى يساره أخذته صورة جديدة لم ينظر إليها من قبل فحدق فيها على زهده في الصور وابتعثته هواجسه الثائرة على الوقوف حيالها وفمه لا يزال ندياً بذلك الاسم الذي ألقى به إلى جوف الكنيسة الكبرى ثم ترعد وترجف وانفلت من صدره صياح اليم وارتد القهقري مسفوعاً عانياً، وأخذت الصورة التي أبصرها قائمة إلى يساره تتحرك وتهتز. ثم جفت الجدار ومشى ناسها في صف واحد إلى ناحية هراقليوس، فكان كلما تراجع أمام أشباحها أخذته هذه الأشباح أخذ عزيز مقتدر ومنعته أن يشق طريقه!
فأي صورة هذه؟ وكيف قدر لأشباحها أن تترك مكانها على الحائط لتمشي في حضيض المعبد كما يمشي الناس، وتنظر بعيون فيها من وميض الحياة وإشراقها ما في عيون الأحياء من وميض وإشراق!
ولما أوشكت هذه الطيوف الخرساء أن تزحمه حدق فيها عن كثب فإذا هي أربعة أشباح أحدها مشوه الخلقة، محمر الصدر، تضطرب في وجهه عينان غائرتان وإلى جانب هذا الشبح ثلاث نساء، فيهن امرأة عمياء على وجهها الصبيح شيء كثير من النعماء، وكانت العمياء تلبس السواد، وقد سدرت شعرها الأشقر على كتفيها وراحت تستند إلى ذراعي فتاة ما تزال حديثة عهد بالحياة، فما قدر هراقليوس أن يتعرف إلى خيال المرأة الثالثة، فصدف عنه وتهافت على العمياء ينظر إليها في خوف وإشفاق، واخذ فمه يردد اسم (بليتزا) بينما ضياء القمر لا يزال يتسرب من صدوع في القبة إلى الحوائط والجدر، وبينما ملابس الأشباح قد حاكت في حمرتها وصفرتها وزرقتها ألوان الفسيفساء التي أخذت تخطف على العمد والأقواس والقناطر، ولقد خيل إلى هراقليوس أن الصورة التي خرجت من الحائط الشمالي ما عادت تمعن في اللحاق به فسخر من هذا الجنون الذي تولاه، وتضاحك حتى لقد سرى ضحكه إلى أنحاء المعبد وأدرك أن قيصر الرومان قد افرط في مخاوفه، وما ينبغي له أن يفرق من صورة تراءت له على الرخام، ولما اطمأنت نفسه جعل ينظر إلى يده فإذا عليها ذلك الدم الذي تسايل من جبينه، وللمرة الأولى أخذته عزة الزعيم الغطريف، فأزرى بالشعور الذي رافقه في مطافه، وهو شعور يشعر به الدهماء، ولا يشعر به الزعيم تحت اللواء