للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا ريب في أنه أول اجتماعي أبان في وضوح اثر الخرافة الصالح في الجمعيات الإنسانية. وقد وضع في هذا - فضلاً عن أبحاث جزئية مختلفة - كتاباً مستقلاً سماه: محامي الشيطان. ' ولهذا الكتاب من اسمه نصيب كبير؛ فإن مؤلفه يبدو فيه المحامي الدرة الذي يدافع عن الخرافة دفاع الأبطال، ويبين مالها من يد في تكوين بعض الأسس الاجتماعية. فرجل الدفاع في محاكم لندن يزج بنفسه في محكمة الآراء والنظريات لينصر فكرة اجمع الناس على شرها وذاقوا منها الأمرين، مهمة شاقة، وموقف دقيق للغاية، وكيف لا وفريزر يشذ عن الرأي السائد، ويخرج عن المألوف المسلم به. غير أنه قد وفق إلى حد كبير فيما حاوله، ونهض بالخرافة من كبوتها، واثبت ما فيها من نواحي الخير. وما ابلغه حين يقول: (نحن مدفوعون إلى اعتبار الخرافة خطأ في ذاتها، وشراً لا خير فيه، وضرراً محقق النتائج. وفي الحق أنها اصل كثير من الآم هذا العالم، فقد بددت ذخائر هائلة، وضحت بأرواح لا حصر لها، أثارت حروباً شعواء، أوقعت الشحناء بين الأصدقاء، وفرقت بين المرء وزوجه، والأب وابنه، مقطعة علاقتهم بحراب حادة، أو بما هو اضر منها، وملأت السجون بالأبرياء، والمستوصفان والملاجئ بالعجزة والمعتوهين، وسحقت قلوباً عديدة، وبلبلت نفوساً مطمئنة. ولما لم تقنع بإيذاء الأحياء جاوزتهم إلى الأموات، فهتكت سترهم، ونبشت قبورهم، وأوقعت بهم من العذاب والنكال ما أدمى قلوب الأبناء والأعقاب؛ صنعت الخرافة كل ذلك واكثر منه، بيد أن في مقدورنا أن نقدمها في صورة أليق، وتحت ضوء انسب. لا ندعي إنا أهل للدفاع عن هذا (الشيطان)، والظهور أمام هذا اللهيب الأزرق والغاز الخانق، وإنما نحاول فقط أن نكون ما يصح أن يسميه الرجال السمحاء دفاعاً مقبولاً عن اكبر الخصوم شبهة، على ترجيح هذه القضية. قامت طائفة من الأنظمة الاجتماعية الصالحة باعتراف الجميع أو اغلب الناس على أساس من الخرافة لدى بعض الشعوب وفي بعض مراحل التاريخ)

تخير فريزر بين هذه الأنظمة أربعة من أهمها، وهي الحكومة، والملكية الشخصية، والزواج، واحترام الحياة الإنسانية وبذل غاية الجهد في إثبات أن الخرافة ساعدت على تكوينها ودعمها مستعيناً في كل ذلك بالواقع والتاريخ. فلاحظ في دقة أن مهمة الحكومة ذللت لدى كثير من القبائل الهمجية المعاصرة بسبب الرأي القائل إن الحكام ينتسبون إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>