بعد ذلك أن يكون هذا القانون في دين الأمة نكراً، وفي أخلاقها شذوذاً، وفي أفكارها أعجوبة، وفي جسمها شللاً، وفي نفسها موتاً؟ لا ضير فقد أخذنا قانون نابليون وناهيك بذلك فخراً وتمدناً. . .
لو أن في المسلمين أناسّ يستوحون عقولهم ويستفتون قلوبهم لخلقوا لأنفسهم نظاماً، وشرعوا لأنفسهم من دينهم قانوناً، لو أنهم أصحاب همم لسلطوا هممهم على الزمان فأسرته، ثم صرفته طوع المشيئة، ورهن الإرادة، ولما لبثوا يتعللون بالعصر ومقتضياته والزمان وفرائضه، فإن الرجل الحر سيد الزمان والمكان يسخرهما ولا يذل لهما. أين العزائم التي تلقي الزمان بملء خطوبه هيبة، وترد أحداثه بأشد منها صولة؟ آمين ثم آمين. . .
ومما أخذ فيه المسلمون بتقليد أوربا غلوهم في النعرات القومية، والتكاثر بالمفاخر التاريخية، واعتزاز كل فريق بمآثره الجاهلية، كأنهم لم يكونوا على الأحداث أعواناً، ولم يلبثوا أربعة عشر قرناً إخواناً!! قيل للمصريين: أنتم أبناء الفراعين فارجعوا إلى حضارة المصريين القدماء، واعبدوا العجل لتكونوا بذلك شهداء. وقيل لأهل الشام: وأنتم يا بني الفينيقيين تمسكوا بتاريخ الأقدمين، وائتوا بآبائكم إن كنتم صادقين! وقيل للفرس: يا بني الأكاسرة لقد فتح العرب بلادكم، وأزالوا ملككم، وفرضوا دينهم عليكم فانقضوا أيديكم من أخونهم، وردّوا إليهم دينهم، وارجعوا إلى زردشت وإن لم تعرفوه، واقرءوا كتابه وإن لم تفهموه، فالباطل الإيراني خير من الحق العربي! وقيل للترك! وأنتم يا سلالة جنكيز المقدس، وعبدة الذئب الأطلس، قد كانت لكم في سيبريه حضارة، ثم كانت لكم في قره قروم دولة، فارتدوا إلى حضارتكم الأولى، وانزعوا إلى وثنياتكم القدامى، ودعوا مجدكم في الإسلام، واكفروا بمآثره عليكم، ومآثر آبائكم في تاريخه
دعيت كل أمة إلى جاهليتها، فذهب المسلمون ينبشون القبور ليعتزوا بحجر قديم وعظم رميم، ويفخروا بعلامة من حضارة، أو آثارة من مدنية، وغفلوا عن مجدهم في الإسلام يرجف به المشرق والمغرب، وتضيء به الشمس والقمر. وليس أمة إسلامية ذات مجد في الجاهلية إلا مجدها في الإسلام أبهى وأبهر، وأعلى وأعظم، ولكنها عصبيات الجاهلية، والفتن الأوربية، تركس الإنسان في بهيميّته، وتردّه إلى وحشيته