للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منك ابنتك) وما كاد يتم رسالته حتى أدركت الأميرة أن الملك قد ساقه البغي إلى الأمر يقتل أبنتها. فنهضت إلى مهد الطفلة البريئة وقبلتها قبلة الوداع، وأسلمتها إلى الرسول في رفق وأسى والتياع، وفي العينين عبرات، وفي النفس حسرات، ولكن الأمير بعث بالطفلة إلى بولونيا أن كان له فيها أقرباء يقومون على تربيتها وتنشئتها

ومضت سنون والأميرة تحمل بين جنبيها فؤاداً كليماً ونفساً تتنزى ألماً، ولكنها لا تظهر الأمير على ما تحمل، ثم أدركت أنها أصبحت جفن سلاح فتعزت بعض العزاء، ثم وضعت غلاماً وحسبت أن الأمير ستهدأ ثورته، وتذهب عنه حدّته، وقد وضعت له ذكراً يرث العرش من بعده

ولكنه استدعاها مرة أخرى، وقال لها في غلظة وجفاء: (لقد أصبحت لا أطيق الصبر على ما ألقى بسببك من مذلة ومهانة يصبهما عليّ الشعب صباً. فلقد أثار سخطهم وألّبهم على أن رأوا هذا العرش الذي أجلس عليه وأحكم بسلطانه سيؤول بعدي إلى غلام ينتسب إلى رعاة الأغنام أهون الناس شأناًً وأقلهم مكاناً. ولقد تدبرت الأمر فلم أجد خيراً من أن أريح نفسي من هذا الغلام كما أرحتها من أخته) واقتطع الغلام من قلب أمه كما اقتطعت أخته من قبله

قالت الأميرة: (مولاي! لك الأمر وعلي الطاعة. ولا أحبّ إليّ من أن تعمل ما يشفي صدرك، ويضع الهمّ عن نفسك، ويحمل إليك السعادة بأوفى كيل، فما أجد سعادتي إلا حيث تجدها ولا تطمئن نفسي إلا حيث ترضى، وانكفأت إلى مقصورتها وقد بضع الهمّ من فؤادها بضعة

وبعث الأمير بالغلام إلى حيث كانت أخته

وشاع في الملأ أن الطفلين قد قتلا، واضطربت النفوس بالحقد على هذا الأمير الطاغي الذي غالى في الضلالة، وتبسط في الأثم، والعدوان، وأفعمت القلوب حباً وعطفاً على هذه الأميرة المنكودة التي صبرت حتى ملها الصبر، وبالغت في الرضا بالمذلة والهوان، ووصل صدى النفوس والقلوب إلى سمع الأميرة فأنكرت على الشعب أن يثور على مولاه، ودافعت عن مسلكه ما وسعها الجهد، على أن هذا كله لم يكن ليحمل الأمير على الثقة بولائها ووفائها وأربت سنو العشرة بين الأمير وزوجته على الستة عشر عاماً وهي تصابر القضاء، وتعاني البلاء. وبقدر ما أقامت على الصبر، كان الأمير يمعن في الغدر

<<  <  ج:
ص:  >  >>