للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لَيَدْفِنَنَّا أناس ... كما دفنا أناساً

وانصرف الناس وما حفظوا غير قول أبي العتاهية

وقال محمد بن صالح العلوي أخبرني أبو العتاهية قال: كان الرشيد مما يعجبه غناء الفلاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم، فقال قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعراً يغنون فيه، فقيل ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس، قال فوجه إليّ الرشيد: قل شعراً حتى أسمعه منهم، ولم يأمر بإطلاقي، فغاظني ذلك فقلت: والله لأقولن شعراً يحزنه ولا يسره، فعملت شعراً ودفعته إلى من حفظه من الملاحين، فلما ركب الحراقة سمعه وهو:

خانك الطَّرْفُ الطَّموحُ ... أيها القلبُ الجُموحُ

لدواعي الخير والش ... ر دُنُوٌّ ونُرُوح

هل لمطلوب بذنب ... توبة منه نَصُوح

كيف إصلاحُ قلوب ... إنما هُنّ قُرُوح

أحسن الله بنا أ ... ن الخطايا لا تفوح

فإذا المستور منا ... بين ثوبيه فُضُوح

كم رأينا من عزيز ... طُوِيتْ عنه الكُشوح

صاح منه برحيل ... صائحُ الدهر الصّدُوح

موتُ بعض الناس في الأر ... ض على قوم فُتُوح

سيصير المرء يوماً ... جسداً ما فيه روح

بين عيني كل حيٍّ ... عَلَمُ الموت يلوح

كلنا في غفلة وال ... موتُ يغدو ويروح

لبني الدنيا من الدن ... يا غبوق وصَبُوح

رُحْنَ في الوشى وأصبح ... ن عليهن المُسُوح

كل نَطَّاحٍ من الده ... ر له يوم نَطوح

نُحْ على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح

لَتَمُوتَنّ وإن عُمَّ ... رْتَ ما عُمَّرَ نُوح

<<  <  ج:
ص:  >  >>