للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أساليب (البهرا) اسم (الداعي) لأنه أحد هؤلاء الدعاة العديدين الذين يكل الشيخ الأكبر إلى نشاطهم البارع، وذكائهم الخلاب أمر الدعوة إلى اعتناق هذا المذهب من مذاهب الشيعة في جهات كثيرة من أنحاء العالم، فكان الرجل لا ينهض من مجلسه إلا ليستقبل المدعوين من غير جماعة (البهرا) بينما يقبل المدعوون من هذه الجماعة وفيهم من يدخلون في وجوه عدن وخير تجارها، فيقدمون على الشيخ وهو مستو في مجلسه، حتى إذا صار كل منهم قيد خطوة منه انحنى كانحناء المصلي، وكاد يلمس الأرض بيمينه، ثم رفعها إلى مفرقه، وتراجع إثر ذلك إلى مجلسه من المكان

وطفق الشيخ يتحدث إلى خاصة مدعويه وأقربهم إلى مجلسه، وهو لا يفتر عن رعاية المدعوين جميعاً، يقسم بينهم بشاشة محياه، ويلقي عليهم من نظرات عينيه أشعة تحمل في حرارتها معاني الشكر والترحيب والرعاية، وإنك لتنظر إلى هاتين العينين فتلمح في إشراقهما عواطف الحدب والرفق والإشفاق

اكتمل المدعوون عداً في أربعة صفوف طوال ثم دار اثنان أو ثلاثة من البهرا بأباريق الماء بين الصفوف يصبون منها على الأيدي، وفي إثرهم حملة المناشف، وفي دقائق معدودة غسلت الأيدي جميعاً، وتهيأ القوم لاستقبال الطعام. وما هي إلا برهة يسيرة حتى مد المتطوعون للعمل من أبناء الطائفة سُمطاً طويلة من قماش أبيض على أديم المكان، ثم صفوا فوقها أطباقاً رحيبة من الليف، وثبتوا على كل طبق قاعدة أسطوانية جوفاء ترفع أخونة الطعام

انتظم المدعوون حول الموائد، وكنت في مائدة الشيخ، فلم نلبث أن توسط خواننا إناء صغير من البلور فيه ملح مجروش يضرب إلى الاحمرار، ولقد ماثلت جميع الأخونة خواننا فيما عليه، ولم يعسر على أن أدرك أن لابد للتقاليد البهرية من يصيب فيما يحتوي عليه هذا الإناء، ولم أتبين أنه الملح، وحرك الفضول يدي فتناولت أصابعي حصوات منه، فلم تكد تبلغ فمي حتى أحسست كأنما مسني عقرب

وقال الشيخ في صوت جهير بعد البدء بسم الله الرحمن الرحيم، وهو يضع سبابة يمناه وإبهامها في الإناء: (ليكن الملح فاتحة طعامنا حتى يكون بيننا) فإذا الجمع كله يذوقه. . . وجيء بجفان الأرز فكانت تقلب في الخوان جفنة تلو جفنة حتى اكتظ على سعته، ثم

<<  <  ج:
ص:  >  >>