من مواطن التاريخ القديم الممزوج بخوارق الأسطورة تعرض مثل هذه الواقعة للتنويه بعمل بطولة خارق. على أننا لا نعدم أيضاً في التاريخ الحق أمثلة واقعة منها. ففي التاريخ الروماني مثل رائع لهذا الحدث هو مثل الإمبراطور يوليان في حملته الفارسية. وكان يوليان مذ جلس على عرش قسطنطينية، يتوق إلى غزو فارس وتحطيم تلك الدولة الشامخة التي مازالت منذ الحقب تناهض دولة القياصرة، وكان مثل الاسكندر المقدنوي يحفزه ويذكي عزمه؛ ففي سنة ٣٦٣م، سار يوليان من إنطاكية حيث كان ينظم أهبته في جيش ضخم، واخترق صحراء الشام من جهة الشمال، ثم سار جنوباً بحذاء الفرات، وسار في نفس في الوقت الفرات أسطول روماني ضخم يحمل أقوات الجيش؛ ثم عبر يوليان نهر الفرات، واجتاح بلاد الآشوريين، واشرف على نهر دجلة حيث كان الفرس في انتظاره في الضفة الأخرى؛ وحمل الرومان سفنهم المشحونة بالمؤن والذخيرة من الفرات إلى الدجلة بعد جهود ومشاق هائلة؛ واعتزم الإمبراطور أن يعبر الدجلة بجيشه ليقابل سابور ملك الفرس في قلب مملكته كما فعل الاسكندر من قبل حيث هاجم الفرس في عقر أرضهم؛ وهنا أعتزم الإمبراطور فجأة أن ينفذ فكرة جريئة جالت بخاطره وهي أن يحرق أسطوله الراسي في دجلة؛ وفي الحال نفذت الفكرة واحرق الأسطول الروماني الضخم ولم تنقذ منه سوى سفن قلائل استبقيت لاجتياز الأنهر، ولم يتزود الجيش الإمبراطوري إلا بمؤونة عشرين يوماً؛ وكان يوليان يرمي بذلك الأجراء إلى غاية حربية حكيمة هي ألا يمكن القوات الفارسية المحصورة في مدينة اكتسيفون قاعدة الجزيرة من انتهاز فرصة توغله في الداخل ومهاجمة أسطوله والاستيلاء عليه وعلى المؤن التي يحملها غنيمة باردة. وقد حكم التاريخ على يوليان ولم يحكم له، ذلك لأنه لم يكن موفقاً في غزوته، وقد لقي جزاء في نكبة جيشه أمام الفرس وفي مصرعه متأثراً بجراحه؛ وارتد الجيش الروماني مهزوماً ممزقاً ونجت فارس بحريتها واستقلالها مدى ثلاثة قرون أخرى حتى كان الفتح العربي
وفي التاريخ الحديث مثل واقعي رائع أعدمت فيه سفن الجيش الفاتح، هو مثل هرناندو كورتيز فاتح المكسيك؛ ومن غرائب القدر أن يكون أروع نموذج لهذا الضرب من البطولة أسباني يذكرنا بطارق فاتح أسبانيا وما ينسب إليه في هذا الصدد. ومن المرجح جداً أن يكون فاتح المكسيك قد تأثر بالمثل الرائع الذي تنسبه الرواية لفاتح الأندلس؛ وقد كان