صغير، بعد لأي وجهد كبير؛ وأنه كان - وقد مضى الهزيع الأول من الليل - يكمن له وراء نخلة في طرف حديقة مجاورة لبيوت القبيلة مما يلي مضرب الحرس ملثماً بكوفيته، متلفعاً بعباءته السواء؛ مصمماً على قتله
وكان موقع الحارس جسام قريباً من الحديقة؛ وكان خصمه يتبينه؛ وكان يعرفه مستدلاً عليه بصوته الذي كان يرتفع بين دقائق ودقائق إذ ينادي صحبه نداء الحذر والانتباه
وكان ينظر إليه وهو واقف في الظلام، ظلام الحديقة الذي كان يستره كالخنزير الحانق على الصياد؛ ويقول بصوت خافت؛ وكأنه يتوعده:
- (اصبر لي قليلاً يا ابن الكلب. . . .)
ثم حشا بندقيته؛ وقد اشتدت ضربات قلبه؛ وبدت على وجهه سيماء الإنسان الوحشي القديم؛ وثنى ركبتيه وأطال النظر في عدوه ليسدد الرمي؛ وكاد يطلق رصاصاته الخمس التي أعدها لقتله، لولا أن رأى بجانبه حارساً آخر أقبل عليه مسرعاً. فكان على بداي لقتل واحد منهما أن يقتل الاثنين معا، وهذا ما لم يكن يريده؛ لأن ثأره على تلك الصورة يخلق له مشكلة يصعب عليه التخلص منها، فقد يغتفر له ذوو جسام وأبناء قبيلته قتله لأنه قاتل أخيه، ولكنهم لا يغتفرون له قتل الثاني؛ ولابد لهم من قتله بعدئذ ليثأروا به منه
وتملكته الحيرة فلم يدر ماذا يفعل
ثم بدا له أن يتوقع عودة القادم، لينفرد بفريسته، وبينما هو في موقفه هذا، ارتفعت من جانب بعيدً قيدَ غلوة صيحة حارس يستغيث
لقد حم الأمر؛ وتفجرت المياه من ثلمة حدثت في السد المصاقب، ومضى الحرس وفي طليعتهم جسام، يعدون مستبقين لسد الثلمة، فلم يتمكنوا من ذلك، ولم يكن دفع المياه المتدفقة المتحدرة تحدر السيل من أعالي الجبال مستطاعاً
واستيقظ أبناء القبيلة فروَّعهم الحادث، وشعروا بوقوع الكارثة، فأضاعوا رشدهم، كما أضاعوا من قبل جهودهم كلها في الزرع وفي إقامة السدود. وحاولوا كفاح المياه العرمة فحاولوا عبثاً، وراموا مستحيلا
وما كان أمامهم إلا الهرب، فكان النساء يولولن، والأطفال في خوف ورعب يتصارخون. وكان جسام ذا أسرة تتألف من زوج، وثلاثة أطفال، وأم عجوز، وأخت. وكان الرجل آخر