يئسوا من الدنيا، وسخطوا على الحياة، اخذ رحمه الله يعالج أدواءهم، ويهدم مذهبهم فهو مع فقره لم يتبرم بالحياة إلى حد القنوط، ولم يسخط عليها حتى اليأس. فليس التجرد من المال فقراً، وتكدس الخزائن به غنى، ولكنه وسيلة ترفيه وأداة رغد، فان لم يفد متاعاً ولم يكسب مغنماً، فلا خير فيه ولا منفعة منه. وانه كثيراً ما اجتمع له المال الوفر من كتب ألفها وترجمها ومقالات كتبها وسطرها، ووظيفة قبضها، فما استقر عنده، ولا عمل على إبقائه. قال الأستاذ البشري في المرأة:(وهو أجود من الريح المرسلة، ولو انه ادخر قسطاً من الأموال، لكان اليوم من أهل الثراء، على انه ما فتئ طوال أيامه يشكو البؤس، حتى إذا طالت يده الألف جن جنونه، أو ينفقها في يوم أن استطاع)
- ٧ -
ثم امسك بأيديهم، ونهض بهم إلى حيث المجد يبتغي، والشرف ينال، وعزة النفس تكتسب: بالعلم، بالآباء، بالكرامة والرزق ووفرة المال، بالسعى، بالهجرة، فارض الله رحبة واسعة:
وفيها لمن رام الحياة سعادة ... وفيها لمن رام النعيم مقام
والتفت إلى الحاكمين والسراة يستثير عطفهم، ويحرك الشفقة والحنان نحو مساكين تنتابهم غير الدهر، وتتوالى عليهم أحداث الزمان، وبائسين يؤلمهم الفقر، ويؤذيهم العرى
- ٨ -
وعاطفة المواساة ترتقي بحافظ: فلا تقتصر على مواساة الفقراء والمنكوبين، وأسرى الحروب والمملقين، ولكنها تنوح بالألم، على كل حالة يعتبرها صاحبها شقاء ويظنها تعساً. على كل حالة تصرع الرجل فيه الشدائد، وتضعضعه النوائب، وتهده العظائم والشوائب. على كل حالة يتبدل فيها شان الإنسان من رضى وسكون ودعة، إلى تبرم وسخط وكراهة، من شعور بالراحة والسعادة والهناء، إلى تذمر وامتعاض وموجدة، فنراه يواسي ملوكا غاب عن جبينهم التاج، وسلاطين خلت أيديهم من الملك، تواسى ملوكاً غاب عن جبينهم التاج، وسلاطين خلت أيديهم من الملك، وأصبحوا يحتمون بالقانون بعد أن كانوا مصدر القانون! ويخضعون للنظام وقد كانوا يصدرون النظام! ويبتدئون بالتحايا العارفين وقد كانوا بها يبتدأون، ولهم مراسيم تقضى وواجبات تؤدى. . .!!
هذه الإمبراطورة (أوجيني) زوجة نابليون الثالث تقدم مصر بعد زوال ملكها، فيرفع لها