ولكني قلت: إن الإسلام في ذاته خارق لها، لأنه دين سماوي ووحي إلهي لا تتحكم فيه بيئة ولا تؤثر عليه ثقافة؛ على أن قولي خارق أحرى بأن يفهم منه إثبات قاعدة البيئة والثقافة؛ لأن الخارق ما خرق العادة وخالف مقتضاها، والغرض مما قلت بيان أن الإسلام في فقهه وعقائده وعباداته لا يتطرق إليه تأثير البيئة والثقافة، لأنه في كل ذلك جاء خارقاً لقانونها، ولم أقل قط إن الإسلام ناقض لقاعدة البيئة والثقافة كما فهمت أيها الأستاذ، بل قلت: إنه خارق؛ وفرق بين مدلولي اللفظين، فليشهد القراء وليحكموا!
(٣) وقلت أيها الأستاذ عند قولي: إن الشريعة الإسلامية وجدت كاملة دفعة، أو بعبارة أصح جاءت في زمن واحد. . . الخ (إن هذه العبارة أوضح من أن تحتاج مخالفتها إلى دليل). فلماذا أيها الأديب الفاضل؟ فهل كنت تنكر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت إلا وقد تركنا على المحجة البيضاء، حتى ترى أن بعض الشريعة لم يوجد إلا بعد زمنه؟ ألم يقل الله جل ذكره في كتابه العزيز:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)؟ ويقول أبن عباس السدي في تفسيرها: إن المعنى اليوم أكملت لكم حدودي وفرائضي وحلالي وحرامي تنزيل ما أنزلت وتبيين ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم؟ حتى غال بعض نفاة القياس فأحتج بها على إنكاره.
(٤) ثم ذكرت أيها الأستاذ قولي: وهيأ لنا شريعة كاملة، وقانوناً ربانياً منظماً يصلح لأن يطبق على أي جيل وعلى أية أمة، ولم يزد فيه الفقهاء شيئاً قط إلا تصنيفه ونقله. . . إلخ، فقلت:(إن هذا الكلام ليس أحسن حالاً من سابقه، فالفقهاء قد فهموا وطبقوا واستنتجوا واستنبطوا. . . الخ) ونحن لا ننكر هذا، وعبارتي لا تفيد نفيه إذ لست ظاهرياً، وقد شاء قلمك أيها الأديب أن يقتضب من عبارتي ما شاء فقط، وإلا ففي آخر الفقرة بيان المراد، فقد قلت في آخرها إنهم (أعني الفقهاء) فيما لم يجدوا فيه نصاً صريحاً يطبقونه على قواعده الأساسية، وهذا هو معنى الفهم والاستنباط، ولا يقال له زيادة ولا تعارض في العبارة، لأن المراد بما لم يزد فيه الفقهاء شيئاً أصوله وقواعده الأساسية، وهي التي لم يلحق المشرع الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى إلا وقد تركنا منها على سبيل واضح وقانون رباني منظم وشريعة كاملة، فيحسن أن نقول هنا إننا والأستاذ الفاضل على خطة اتفاق.