(٥) وقلت أيها الأستاذ إن قولي (. . . والنصوص الفقهية كلها صريحة بينة الأغراض واضحة المرامي، يناقضه قولي في القرآن: على إن الاختلاف في تفسيره ليس إلا لإيجازه المعجز مع بعد مراميه الغيبية، وقلت: (إن هذا الإيجاز المعجز لم يفت آيات الإحكام كذلك وبعد المرامي يشملها. وجوابي عليك أن آيات الإحكام قد جاءت مفسرة بالسنة إلا ما ندر منها كآية الربا، فلم يبق مجال للاختلاف فيما أوضحه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما يمكن أن يكون في غيره مما لم يفسر بالسنة، وبهذا يتضح الفرق بين أدلة الإحكام والتفسير المختلف فيه، ويصح به لنا القول بألا يقاس بالفقه التفسير، وحسبك دليلاً على الفرق بين فهم الكتاب وفهم السنة ما صنع الإمام علي كرم الله وجهه عند إرساله ابن عباس رضي الله عنهما لجدال الخوارج، إذ أمره أن يتوخى جدالهم بالسنة حرصاً على إلا يخطئوا في فهم القرآن وتأويله، وما ذاك إلا لما ذكرنا.
(٦) وتقول أيها الأستاذ (وإذا كانت النصوص صريحة بينة الأغراض ففيم أختلف فقهاء المذاهب الكثيرة المتعددة الخ.
وأقول لك إن سبب الخلاف بين فقهاء المذاهب ليس اختلاف البيئة والثقافة مع غموض الأدلة، ولكن السبب الأكبر هو اختلاف علمهم بالأدلة أولاً، ثم تفاوت مراتبها عندهم قوة وضعفاً، وقد كانت السنة آنئذ تتلقى من أفواه الشيوخ. وقد يبلغ الفقيه حديث لم يبلغ الآخر، أو يكون هذا سمعه بطريقة أقوى من طريق الآخر، وهذا عندي السبب الأكبر في اختلاف الفقهاء.
ولذلك قال الشافعي إذا صح الحديث فهو مذهبي. ونحن لا ننكر اختلاف الأفهام في الاستنباط أصالةً، ولكنا ننكر لزوم أن يكون ذلك من آثار البيئة والثقافة، فاختلاف الإفهام جار حتى بين أبناء المدرسة الواحدة والبيئة الواحدة كما هو مشاهد، فلا يصلح دليلاً لتأثر الفقه الإسلامي بالفقه الروماني.
(٧) واستطرفت أيها الأستاذ الأديب تمثيلي للصراحة بقولنا مثلاً لا تكذب قائلاً: (إن هذه المسألة على وضوحها الشديد محل خلاف تعدى إلى كتب البلاغة) والكلام إنما هو تمثيل للصراحة لغة، وفرق بين رسوم الألفاظ وحدودها المنطقية وبين صرائح مؤدياتها اللغوية.
ثم إني لم أمثل بهذا إلا توضيحاً لكون الكلام العربي الصريح لا يختلف معناه على حسب