للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن النزعة الفردية وحدها هي التي تدفع الفرد إلى حب الإنسانية. ولكن الهتلريين باعتمادهم على القيم الاجتماعية، يجنحون إلى أهم عناصرها، أعني (القومية).

وعلى هذا فإن قانون العقوبات عندهم يقرر صنوفاً جديدة للجرائم؛ فمثلاً يعتبر (خائناً للوطن) من يجرج الاشتراكيين الوطنيين في عزتهم، أو يهزأ بإحتفالاتهم، أو يسخر من أغنيتهم، أو من ينوه بأعمالهم الهمجية؛ وكذلك من يتنقص من أقدار الأبطال الماضين، أو من يهين المحاربين القدماء. وهكذا نقلت الحماية الشرعية لشخص الإنسان إلى حماية الحزبوإلى حماية الأمة.

ثم إن الأمة عندهم تقوم على الجنس، ويجب أن يحتفظ الدم الشمالي القديم بنقائه وتفوقه. وعلى هذا فإنه ترتكب جريمة (خيانة الجنس) كلما امتزج الألماني (أو الألمانية) باليهود أو بالأجناس الملونة، أو إذا امتزج علناً بزنجي وجرح بذلك (العاطفة الجنسية) لأمته. ويعاقب الزنجي بعقاب أشد لاعتباره إنساناً منحطاً.

ونحن نعرف أن الهتلريين أصدروا في العام الماضي قانوناً للتجارة ينظم العلائق بين العمال وبين أصحاب الأعمال على أسس جديدة. وقانون العقوبات الجديد يتأثر بهذه الأسس؛ إذ المقصود أن ترتب بين المخدوم والعامل نفس العلائق التي كانت سائدة في العصور الوسطى بين السادة والأتباع. فالعامل يجب عليه الطاعة والإخلاص، ولا يستطيع بعد أن يتولى الدفاع عن نفسه بنفسه، بل يعتبر واقعاً تحت حماية المسيد، وعلى السيد أن يقوم بحماية مصالحه المادية والأدبية. صحيح أن قوانين العمل الاشتراكية (مثل قانون الثماني ساعات، وقانون التأمينات وغيرهما) لم تلغ، وصحيح إنها ما زالت تطبق، ولكن لا لحماية حقوق العامل، بل من وجهة اجتماعية مشتركة لأن القضاء على النزعات المتمردة يؤكد تعاون العمل ورأس المال.

فهل يعني ذلك كله إن حماية الفرد قد ألغيت بتاتاً؟ كلا؛ ولكن قانون العقوبات لا يهتم بشأن الفرد إلا باعتباره عضواً في

الجماعة، وعلى هذا فإن الملكية الفردية لا تجب حمايتها إلا بقدر ما يبديه المالك من السداد في إدارتها بحيث تعاون في تحقيق الخير العام. وفي القانون الفرنسي ما زالت تعرف الملكية بالتعريف الروماني القديم؛ فهي الحق في أن تتمتع بشيء وأن تستعمله أو تسيء

<<  <  ج:
ص:  >  >>