للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفعل كلامهما في قلب أختهما فعله، فلما كان الليل، وغفا الحبيب الصغير مما ألم به من سكرة الحب، نهضت بسيشيه إلى مصباحها فأوقدته، وإلى الخنجر فشرعته، وذهبت تنظر إلى العاشق البريء. . .

فماذا رأت؟

أجمل مخلوق على وجهك أيتها الأرض!. . .

لقد كان نائماً حالماً، فيه دعة وفيه فتون. . . وملأ الفتاة حباً. . . فارتجفت. . . واهتز المصباح فأيقظته. . . وفتح عينيه. . . فرأى إلى الخنجر المرهف في يمين بسيشيه. . .

يا للهول. . .!!

لقد قفز الحبيب قفزة هائلة، ورف بجناحيه الصغيرين، وقال: (بسيشيه. . .! ياشقية. . .! وداعاً. . .! فلن نلتقي بعد اليوم!!) وشاعت الحسرة في قلب الفتاة فسقطت على الأريكة من الجزع والإعياء. . .

ما كاد كيوبيد يرف بجناحيه فيغادر القصر حتى امتلأ المخدع أرواحاً شريرة طفقت تهاجم نفس بسيشيه في شدة وعنف، وكلما نظرت هنا أو هناك رأت أفعوانات هائلة تنفث الموت الأسود من أنيابها البارزة الحواني، ثم أحست كأن القصر يرتجف ويميد، ويكاد ينقض، فهرعت إلى الخارج مهرولة، وهرعت في أثرها المخاوف والأشجان، يحدوها الذعر والفزع الشديد.

ونظرت في السماء فلم تجد قمرها المنشود تبثه وتشكو إليه، بل وجدت سحباً قاتمة تنعقد في المشرقين والمغربين، والودق يخرج من بينها كما تخرج الزفرة من صدر المكروب! وبدأت العاصفة الهوجاء تزلزل الجزيرة وتميد بالدوح وترفع شياطين الموج فتجرف العامر واليباب!

وأخذت الرياح الهوج تلاحق الفتاة حيثما ذهبت، وترجم وجهها الكاسف المغضن بجمرات البرد أيان ولت.

ووهنت أعصابها فراحت تصيح فوق الشاطئ كالذي يتخطفه الشيطان من المس، فلما لم يلب نداءها أحد، انثنت نحو القصر، وأطوفت بالأسوار تتفقد الباب الكبير الضخم. . . ولكن. . . هيهات! لقد كان السور كتلة واحدة ليس بها منفذ، ولم يكن غارقاً هذه المرة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>