الطوفان الزاخر من أزهار الشيبر والياسمين والبابونيا، وكان عالياً على غير عهدها به، حتى كاد يستتر وراءه القصر الباذج؛ فلما استيأست من الدخول، وشعرت بقلبها يتحطم، وبنفسها تذهب شعاعاً، استلقت على الكلأ، واستسلمت لنوم ممتلي بالأشباح.
وأشرقت الشمس فاستيقظت بسيشيه، وتلفتت حولها فلم تر السور ولم تجد القصر، وفركت عينها تخال أنها تحلم، ولكنها ترى الجزيرة جرداء إلا من شجرات قليلة من الشاهبلوط؛ وإلا من غدير صغير به بقية غير مباركة من الماء النمير. . .
وبكون صوابها قد ثاب إليها، فتمم شطر الشاطئ تتفقد وروده ورياحينه، ولكنها لا تجد إلا آلافاً من السراطين الميتة لفظها البحر فعل العاصفة، وإلا أكواماً من الودع والمحار تجلل كثبان الرمال الممتدة فوق الجزيرة، كأنها قوافل من آلام بسيشيه وأشجانها!
(ويلاه!
(لقد حملت إليك أيتها الجنة الصغيرة وبردك برد الشباب، وريعانك ريعان الصبي، وفي أعطافك تنهل سلافة الحب، وتحت شطئانك ترقص عرائس الماء، وفي غدرانك تترقرق أمواه الهوى؛ وكل ما فيك تدب فيه حياة إلهية ناضرة.
(أفهكذا يذبل شبابك، ويذوي ريعانك، ويغيض حبك وتفقر شطئانك، فليس يرف فوقك إلا هامة، ولا يهتف فيك إلا صدى الوحشة، ولا تهب ريحك إلا كأنفاس الجحيم؟!
(ويلاه!!
(لقد كنت أفرك عيني أحسبني منك أيتها الجنة في حلم، الآن أفرك عيني أرى هل أنا من خرابك اليوم في حلم؟!
(لقد نعمت بالحب فوقك أيتها الجزيرة، فلماذا لقيت أختيَّ؟! أين ذهبتا؟ ١ أحسبهما ذعرتا من العاصفة، وفزعتا من الزلزال، ففرتا. . . فصبر جميل!!. . .).
هكذا ظلت تبكي بسيشيه، وهكذا غبرت بها الأيام فوق الجزيرة تنظر أوبة حبيبها. . . ولكن. . . بلا جدوى!!
وكانت تأكل ثمرات من الكستناء تذهب بها سغبها، وترشف من بقية الماء في الغدير رشفات تبل بها أوامها، ثم تعدو في الجزيرة باحثةً عن. . . لا شيء!!
ووقفت يوماً عند ضفاف الغدير ترتوي، فما شدهها إلا أن ترى الماء يزداد ويزداد، والغدير