وسارا بين صفين من أرواح الموتى تغني وتنشد. . . وتبكي!! وكم كان عجب بلوتو شديداً حين لمح الفتاة الرشيقة الهيفاء تسير إلى جانب زوجته، وبلغ به التأثر مبلغه، فغادر لهما غرفة العرش المظلمة. . .
وتلطفت بسيشيه فسألت مليكة هيدز صندوق الطيب الثمين؛؛؛ فوجمت برسفونيه؛ وكانت على وشك أن ترفض هذا الطلب، لولا أن ذكرت الفتاة أن فينوس هي التي أرسلتها لتطلبه وتجيئها به. فنهضت برسفونيه إلى دولاب قريب، وعادت بالصندوق، ترتجف به يدها العاجية الجميلة، وقدمته للفتاة وهي تقول:
(لاتفتحيه. . . لا تفتحيه أيتها الصغيرة!!).
واستأذنت بسيشيه، وعادت أدراجها إلى. . . هذه الدار الأولى.
وفي طريقها إلى قصر فينوس، ذكرت كلمات ربة الجمال عما يحتويه الصندوق من دهان يرد القليل منه جمال الشباب وريعان الصبى. . . وذكرت كذلك تلك الليالي الطوال التي ظلت فيها مسهدة العينين تبكي كيوبيد وتحن إليه، حتى شفها الوجد، وأوهنها السقم، وبرح بها الهيام الشديد؛ فتحدثت إلى نفسها تقول:(فلم لا أدهن بقليل منه وجهي وبشرتي؟ ولم لا أرتد جميلة كما كنت، ما دمت أطمع في لقاء كيوبيد؟ أن ربة هيدز حذرتني من فتح الصندوق، لا أدري لماذا؟ فإذا كان ما به شر، فلم تريده فينوس الجميلة؟ لا! لابد أن أتطيب به، وليكن بعدها ما يكون!!).
وداعبت أناملها الصندوق ففتحته. . . ولكن. . . وا أسفاه!! لم يكن به غير هذا الروح الشرير المنكر. . . روح النوم. . . ولقد وثب في وجه بسيشيه فخلق في عينها الزرقاوين الصافتين، ثم ما هي إلا لحظة حتى انكفأت المسكينة على الحشيش المندى تغط في نوم عميق. . .!!
وكان كيوبيد يتنزه في الحدائق المجاورة، فما دهاه إلا أن يرى ملاكه المحبوب ممدداً على الكلأ، وصدره يعلو ويهبط، كأن كابوساً مستقر عليه.
ودنا إله الحب من بسيشيه، وسرعان ما هاجت به ذكريات غرامه الأول، وثار في قلبه الحنين إلى الليالي المقمر الحلوة التي كان يقضيها إلى جانب الرشأ الغرير، الذي يترنح