لقد مدح حافظ كل ذي جاه في الدولة، أو ذا تصريف في أمور البلاد، أو من أنس منه الخير يجلب والشر يتقى، وهو طبيعي في رجل كحافظ تجرد من القوة، وأصفر من المال، فركن إلى الولاة والحاكمين يتقي عواديهم ويأمن جورهم، وقد يناله خيرهم، ويدركه نفعهم
ولكنه في مدحه الذي من أجله عرض ألفاظ اللغة، (ونبش بطون الكتب وقلبا أحشاء القواميس، ثم أستخرج من الألفاظ أطلاها وأحلاها، ومن المعاني أسماها وأعلاها، وصاغ من كليهما مدحة تهز الممدوح وتطربه،) لم يخالف ضميره ولم يتجر بوطنيته، ولم يرق ماء وجهه ويمتهن كرامته. بل كان يقف عند دهاء السياسة وحزم الرجولة، ولين الجانب حيث لا مغمز ولا تجريح
مدح الخليفة وسلاطين الدولة العثمانية، وخديو مصر وأمرائها، ورجال مصر وسراتها، بل مدح اللورد كرومر وملك الإنجليز ومندوب الإنجليز. ولكن ما كان يمدحهم تملقا ورياء، بل كان أشبه بالتشبيه يقدمه الشاعر لتصغي الأسماع إليه وتتعلق القلوب بما بعده، ثم يتناول مطالب الشعب يقدمها، وشكايات الوطن يلفت الأنظار إليها، وقد ينتقد في السياسة، ويتهكم بمسلك الحاكمين، كما حدث في قصيدته التي رفعها إلى عميد الدولة البريطانية بعد حادثة دنشواي
قصر الدبارة هل أتاك حديثنا ... فالشرق ريع له وضج المغرب
أهلا بساكنك الكريم ومرحباً ... بعد التحية إنني أتعتب
ماذا أقول وأنت أصدق ناقل ... عنا ولكن السياسة تكذب
أنقمت منا أن نحس؟ وإنما ... هذا الذي تدعوا إليه وتندب