تضطرب وتهتز، وتختلط فيها الأنوار، وتمتزج فيها الأضواء، كأنما هي سبيكة ذهب، أو قطعة ياقوت، ألقي عليها نور وهاج، ثم أراها قد استقرت وسكنت، فإذا العقيق غير العقيق، وإذا هو غارق في العطر والنور، وإذا من حوله العشرات من القصور، تضيء كأنها الثريا في السماء، فتنعكس أنوارها في الماء، فتتوارى النجوم استحياء، وتغص العين خجلاً، ثم تستتر ببرقع الغمام وتبكي، فيضحك العقيق لبكاء السماء، وتضحك الأرض لضحك العقيق!
وأرى قصر عروة العظيم، قد سطعت في شرفاته الأنوار، وحف به الشعراء والمغنون ينتظرون نزيله الجليل، الشاعر الغزل الفقيه المحدث عروة بن أذينة، ليأخذوا من شعره، ويحفظوا من حديثه، فإذا طال بهم الانتظار، وتصرم الليل، ولم يفوزا بطائل، ذهبوا إلى دورهم وقد أيسوا من لقائه تلك الليلة، وأزمعوا أن يباكروه من الغد. وسكن العقيق وخلا إلا من عاشق أرق (يناجي طيف من يهوى، ويبغي عنده السلوى) وخشع الليل، وأنصت الكون، فقام عروة على شرفة القصر، فراقه سكون الليل، وفتنه منظر العقيق، فهاج في نفسه الشوق، فاندفع ينشد:
إن التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
فبك التي زعمت بها وكلاكما ... يبدي لصاحبه الصبابة كلها
ويبيت بين جوانحي حب لها ... لو كان تحت فراشها لأقلها
ولعمرها لو كان حبك فوقها ... يوماً وقد ضحيت إذن لأظلها