للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- (إن هذا العام عام شدة، ولم تبق لنا المجاعة على زرع ولا ضرع، ماذا عندنا لنعطيكم؟ هيكل زيوس قريب من هنا ناما فيه، وكهنته أسخياء كرماء، وعندهم في كل آونة خمر. . . سيطعمونكما ويسقونكما! وربما قدموا لكل منكما غادة! فهم فساق عرابيد. . . اقصدا إليهم. . . اذهبا. . .)

وقذفت بالباب في وجهيهما. . . . . .

قال الشيخ: (أرأيت يا بني؟) فقال الفتى مداعباً:

(نحن نستحق أضعاف هذا الهوان! ما لنا وللناس؟!)؛ فقطب الرجل جبينه وقال: (مالنا وللناس؟ إذن ما نحن في هذه الدنيا يا بني؟ ولكن ليس الآن ما أعددت لك من عبرة هذه الليلة؛ سر بنا إلى ذلك القصر العتيق)

فلما كانا عنده، تطلع الفتى فرأى صحباً كثيراً ما يزال يتعشى، والموائد حافلة بالأشربات والأشواب، وبكل ما لذ وطاب. والندامى البيض كالنجوم رافلات، ورافلون، في وشى وأواف. وكأن الفتى استطير من العجب، فقال للشيخ: (كل الناس يا أبتاه هانئون هذه الليلة المقرورة إلا نحن!! الجميع يأخذ في نشوة ولذة ونحن نضرب في وحل وننشق من غيظ؟!)

قال أبوه: (ألم أقل لك ألا تبدأ حديثاً حتى أبدأك؟ هلم إلى الباب) وقرعا الباب فبرز لهما شاب مفتول العضل كأنه هرقل. فلما سألاه حاجتهما، قادهما إلى البهو الواسع حيث القوم فيما هم فيه من متاع

قال الشاب المفتول: (إليكم أيها الأخوان لصين من لصوص الدجاج عاثا كثيراً في قريتنا هذه، ولولا طول الحذر ما ذقتم الليلة رجل دجاجة. . . . . . إنهما يطلبان مبيتاً وعشاءً، ولا أدري لِمَ لمْ يقصدا إلى هيكل الأب زيوس حيث المبيت الوثير والعشاء الكثير؟! وحيث أشياء أخرى. . . . . .)

وقهقه السمار وتكبكبوا حول الغريبين، ثم أخذوا معهما في ألوان غير محتشمة من المزاح الثقيل. هذا ينتف شعرات من ذقن الشيخ، وذلك يرفع ذيل الفتى مما وراء، وهذه تعانق الشيخ وتقبله وتقدم له كأساً من الخمر، وتلك تركب الفتى (زقفونة!). . . . . .

ولما فاضت الكأس بالشيخ والفتى، نظر أحدهما إلى الآخر نظرات، ثم غابا عن أنظار الجماعة، كأنما تحولا إلى هواء. . .؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>