(بحق زيوس إلا ما أخبرتني أيها الصفي الصالح من أنت؟) فيقول الشيخ: (أنا أيها العزيز رجل نقلة وأسفار وهذا ابني الموسيقي البارع. أتطرب للموسيقى؟)
ويهتز الرجل، ويوقع الفتى على قيثارته لحناً كأنه لسان العاصفة بما فيها من سنا برق وهزيم رعد ومكاء ريح وتنقير مطر، ثم هو مع ذاك لحن مشرق متألق يأسر اللب ولا يستأذن على القلب. . . وطرب فيلمون، ورقصت جوانح بوسيز، وأحضرت طبقاً به قليل من المشمش الجاف فقدمته للفتى، ناسية أن تقدمه للشيخ، وهذا من أثر الموسيقى على أعصابها، فقدمه هذا إلى أبيه في أدب واحترام. وما كادت اليد البيضاء الناصعة تمس الفاكهة حتى عادت إليها النضارة، وتأرجت عنها أنفاس الحديقة، وتضاعفت في الطبق حتى ملأته. فأكل الشيخ، وأكل ابنه، وأكل فيلمون وزوجه، وهما لا يصدقان ما يريان!
وظلا يقدمان للضيفين كل ما استطاعاه من خبز وأدم، فكان القليل يزداد والمشفوف يتضاعف. وكانت لديهما إوزة عجفاء حاولا أن يجريا عليها التجربة فهما بذبحها ليصنعا منها شواءً يقدمانه للضيفين، ليريا ماذا يكون من أمرها. ولكن الإوزة فزعت فزعاً شديداً، وانطلقت في ناحية الشيخ تستجير به كأنها تكلمه. فابتسم وربت على ريشها الناعم النظيف، وأجارها من سكين فيلمون
وكان نسيم السحر قد أخذ يهب في الأفق الشرقي، فقال الشيخ:
- (أيها العزيز فيلمون. أيتها التقية الكريمة بوسيز، من إلهكما!)
- (إلهنا زيوس تبارك في علياء الأولمب؟)
- (أو يسركما أن يكون معكما الآن؟)
- (معنا هو دائماً معنا!)
- (أجل. هو دائماً مع عباده المخلصين. ولكن، أيسركما أن تكونا الآن في حضرته يحدثكما وتحدثانه؟)
فيصيح فيلمون:
- (أنت هو زيوس. تقدست. تقدست)
ويسجد الرجل وزوجه، وما تفتأ تأخذهما رعدة شديدة
- (أجل. أنا زيوس. أتيت أبتلي هذه القرية. وهذا ولدي هرمز. انهضا. والآن. ستزلزل