للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صار إلى منزله، فوقف له سعيد وقال: ألك حاجة؟

قال: لا. إلا أني رأيتك تمشي وحدك، فأحببت أن أصل جناحك

فقال لي سعيد: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدين، وقال: إنك لن تصادف عندنا شيئا فخذ هذا، فإذا جاءنا شيء فأتنا

فيقول عمرو: لا جرم والله لا يأخذ إلا بالوفية، يا غلام! أعطه إياه، فيعطيه عشرين ألف درهم وافية

ويجيئه مولى لقريش فيقول: إني أتيت أباك بابن مولاي (فلان)، وقد هلك أبوه ليزوجه. فقال: ما عندي، ولكن خذ ما شئت في أمانتي

فيقول له عمرو: كم أخذت؟ فيقول: عشرة آلاف

فيقبل عمرو على القوم فيقول: من رأى اعجز من هذا؟

يقول له سعيد: خذ ما شئت في أمانتي، فلا يأخذ إلا عشرة آلاف، والله لو أخذ مائة ألف لديتها

ويتبدل المنظر، فأرى العقيق قد ازدحم بالناس حتى كأنه المحشر، وانتقلت إليه المدينة حتى لم يبق فيها كهل ولا غلام، ذلك أن خبرا سرى في المدينة سريان الأمل في النفوس اليائسة، فترك الناس ما هم فيه وأقبلوا على قصر سعيد يسمعون منه ما يسمعوا. . . وإذا ابن عائشة وهو أضن خلق الله بالغناء، وأسو الناس فيه خلقا، ومن إذا قيل له غن: قال: ألمثلي يقال هذا وإذا ابتدأ بغناء وقيل له أحسنتن قطع الغناء مغضبا وقال: ألمثلي يقال أحسنت؟ وإذا هو يغني أطيب غناء وأطربه، فلا ينتهي من صوت حتى يشرع في آخر، لا يسكت ولا يستريح، حتى عدوا عليه مائة صوت، وإذا خبره أن العقيق طغى وازداد ماؤه، فاعتصم ابن عائشة بقصر سعيد بن العاص فملأ الماء عرصة القصر، فصعد على قرن البئر ورآه الحسن بن الحسن، وكان قادما على بغلة له وخلفه غلامان أسودان كأنهما شيطانان، فقال لهم: امضيا رويدا حتى تقفا بأصل القرن الذي عليه ابن عائشة؛ فخرجا حتى فعل ذلك، ثم ناداه الحسن: كيف أصبحت يا ابن عائشة؟ قال بخير! فداك أبي وأمي، قال: انظر إلى من بجنبك، فنظر فإذا العبدان؛ قال: أما تعرفهما؟ قال: بلى، قال: فهما حران لئن لم تغني مائة صوت لآمرنهما بطرحك في البئر، وهما حران لئن لم يفعلا لأقطعن

<<  <  ج:
ص:  >  >>