للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كالملبس الثوبَ من عرى وعورته ... للناس بادية ما إن يُواريها

فأعظم الإثم بعد الشرك نعلمه ... في كل نفس عماها عن مساويها

عِرفانُها بعيوب الناس تُبصرها ... منهم ولا تبصر العيب الذي فيها

فلم تمض إلا أيام يسيرة حتى مات منصور، فوقف أبو العتاهية على قبره وقال: يغفر الله لك أبا السرى ما كنت رميتني به

وحدث الخليل بن أسد النوشجاني قال: جاءنا أبو العتاهية إلى منزلنا، فقال زعم الناس أني زنديق، والله ما ديني إلا التوحيد، فقلنا له فقل شيئا نتحدث به عنك، فقال:

ألا إننا كلُّنا بائد ... وأيُّ بني آدمٍ خالدُ

وبدؤهم كان من ربهم ... وكلٌّ إلى ربه عائد

فيا عجبا كيف يُعصي الالـ - هـ أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة ... وفي كل تسكينة شاهد

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد

وحدث محمد بن أبي العتاهية قال: لما قال أبي في عتبة:

كأنما عتبة من حسنها ... دُمية قَسٍّ فتنت قَسها

يا رب لو أنسيتنيها بما ... في جنة الفردوس لم أنسها

شنع عليه منصور بن عمار بالزندقة، وقال يتهاون بالجنة ويبتذل ذكراها في شعره بمثل هذا التهاون. وشنع عليه أيضا بقوله:

إن المليك رآك أحـ - سن خلقه ورأى جمالك

فحذ بقدرة نفسه ... حورَ الجنان على مثلك

وقال أيصور الحور على مثال امرأة آدمية والله لا يحتاج إلى مثال، وأوقع له هذا على ألسنة العامة فلقي منهم بلاء

ولا تخفى سماجة هذا النقد، وأن الدين لا يصل في الحرج على الشعراء إلى هذا الحد، وأين ابن عمار في هذا من عبد الملك بن مروان وقد اجتمع ببابه عمر بن أبي ربيعة وكثير عزة وجميل بثينة، فقال لهم أنشدوني أرق ما قلتم في الغواني، فأنشده جميل:

حلفت يميناً يا بثينة صادقا ... فان كنت فيها كاذبا فعميتُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>