وقد قال البعض: إن الوراثة والبيئة يتعاونان معاً بنشاط على إيجاد العبقري، إذ أن (الوراثة) لا تنتج في الرجل إلا (ما يمكن أن يكون) وليس ما سيكون، أما آثار الوسط وحدها فهي قادرة على تحويل الاحتمال إلى أمر واقع. على أن (الوسط) لا يكون تأثيره بعد الولادة فقط، بل إنه يؤثر في الشخصية المستقبلية قبل الولادة، وذلك بطرق مختلفة
ولقد عملت أبحاث في جلاسجو عن علاقة عدد المواليد بالذكاء فظهر أن عدد المواليد يزيد عند الرجال الأقل ذكاء، كذلك الأسر يتكاثر عددها كلما قلت الكفاءة العقلية عند أعضائها
إن العبقرية شذوذ وشرود عن الحالة العادية، وهي بلا شك اضطراب أكيد؛ هي حادث فجائي، وكذلك الجنون، وهذا الحادث الفجائي قد يرجع إلى حالة الوالدين قبل الحمل أو إلى اضطراب يصيب الجنين، فما يحدث للوالدين قد ينتج عند الطفل نوعاً من الشذوذ النافع، وقد ينتج تشويهاً في خلقته، أو يؤدي إلى التحام الجنينين ببعضهما إذا كانت الأم تحمل اثنين: وهذا الشذوذ قد ينتقل بدوره بالوراثة. على أن انتقاله يكون بدرجة محدودة ولبعض أجيال فقط، والاضطراب الذي يحدث في حالة عدم استمرار التحام الجنينين قد يكون أثره فيما بعد إما أن ينتج عبقرية وإما جنوناً، أو اضطراباً في الأعصاب؛ وقد تجتمع الحالتان معاً. وأخيراً قد تتبع كل منهما الأخرى، أي أن يجمع الشخص أحياناً صفات العبقري ومواهبه، وأحياناً أخرى اضطراباً في الأعصاب يجعله أشبه ما يكون بمجنون حقيقي
وهناك أنواع من الشذوذ تنتقل أحياناً بالوراثة، وأحياناً لا تنتقل، مثل الحوَل، وقصر النظر، وصغر أحد أعضاء الجسم أو كبره أكثر من الحد الطبيعي؛ وأحياناً يكون هناك اتجاه نحو مصادر الإنسان الأولى. وقد تكلم عن ذلك ريبو في كتابه عن (الوراثة) إذ ذكر أن أسرة كلبورن كان بها شذوذ الست أصابع (أي زيادة إصبع في اليد أو في القدم) وقد استمر هذا الشذوذ في الأسرة مدة أربعة أجيال
والآن، أليس هناك تشابه بين الشذوذ الجثماني والشذوذ العقلي الذي يسمى العبقرية والذي تكون فيه الوراثة أيضاً محدودة؟
ذكرت مدام ناجوت ولبو كفتش أن سيدة كانت تتبع عبثاً وسائل لإجهاض نفسها، فعندما وضعت الطفل في ميعاده المعتاد كان هذا الطفل قويّ البنية ولكنه كان أبله. وكانت والدة (كاردان) قد حاولت إجهاض نفسها أيضاً عدة مرات دون جدوى، وكانت النتيجة أن أصبح