عليه، فيبدأ درس الحساب ويكتب على اللوح الأسود بادئاً بجدول الضرب، ولكن هذه اليد تتحرك بغير وعي وتنتقل بغير إرادة. لأن القلب الموسيقي الذي أطل عليه من وراء (جيته) قد استولى عليه، فيده تسطر وقلبه يلحن، وما هي إلا لحظة حتى كان الطلاب من ورائه يرددون اللحن الذي سطره! وإذا بدرس الحساب يتحول إلى درس موسيقى! فيسمع الرئيس الألحان شائعة في الفناء، فيطرق غرفة (شوبير) فيجده لاهياً وطلابه بهذه الأغنية، فيطلب إليه أن يهرع إلى مقابلته، ولكن هذه المقابلة التي يتخيلها الناظر عثور جد وسوء طالع، قد هيأت لشوبير أن يقابل (مدير الأوبرا) في (فينا) المعجب ببراعته، وهو ينتظره في بهو الرئيس يحمل إليه دعوة إلى منزل الكونتس (دي رنسكي) ليعزف في إحدى سهراتها الموسيقية الحافلة التي تقيمها كل خميس وتجعل من منزلها ملتقى أرباب الفن وأنصاره. وجدير بمثل هذه المقابلة أن تفتح أمام (شوبير) مستقبلاً زاهياً مضموناً. ولكن أنى له أن يخشى هذه الحفلة وليس عنده رداؤها. وقد طرق بيت الرهون فرده صاحبه خائباً، لأنه لا يملك ما يفك به رهينة، ولكن الفتاة الهائمة بفنه أعادت إليه رداءه وقبعته لتحقق له ظفره في هذه الليلة
كان بهو (الكونتس) يعج بالزائرين والزائرات ممن سما بأرواحهم الفن والموسيقى؛ وفجأة دخل (شوبير) منتفخ الرداء ساطع الوجه، يلمس غده بيده. ولكن نشوة السرور قد أذهلته عن أن ينزع (علامة الرهن) عن ظهر الرداء. فمر وعيون القوم رانية إليه، تتغامز عليه. فقبل يد الكونتس وحطم بخيط (العلامة) تمثالاً عزيزاً علق به، ولكن الكونتس لم تزد إلا ترحيبا به
جاء دور (شوبير) ومرت أنامله على (البيان) أنشودة أبدعها لمثل هذه الساعة. وأودعها كل ما يختلج في صدره من أماني وأشجان. فترى القوم سكارى وما هم بسكارى! فتدخل - خلال ذلك - الكونتة استركاز الفتاة الحسناء وهي متأخرة، فتأخذ مقعدها وتصغي بروحها المرحة إلى هذه النغمات، فتسأل فتاها فيجيب همساً: إنه (شوبير) فلا تفهم. فيكتب على صفحة مرآتها بعد ذر (البودرة) أحرف (ش وب ي ر) فلا تفهم. . . وتنفخ على اسمه فيطير. ولكن أوضاع جلوس شوبير على البيان تهيب بها إلى الضحك فتملك نفسها فلا تقدر، فترسلها ضحكات عالية تنال من عزة (شوبير) فيرمقها شزراً، ويغلق البيان بعنف،