ويهب من مقعده لا يملك نفسه المهتاجة، فيدركه (مدير الأوبرا) فيجيبه بإباء وأنفة:
- أنا لست ممن يعزفون وهم يضحكون!
وانطلق وقد ترك في المنزل، زوبعة، وصاحبة المنزل تقول للفتاة (ومما يؤسف له أن المقطوعة لا تبعث على الضحك)
تلك عزة الفن دعته فأجاب، وهو يقدر أنه قاتل مستقبله، وداع البؤس إلى ساحته، ولكن ما همه بمستقبله وبغناه إذا كان الفن يحيا في منزله مهاناً ويرضى بهوانه؟ أليس هذا المثل يضرب لكل فنَّان معنى العزة ويبعث فيه الكبرياء؟
خرج (شوبير) دامي القلب، ولكنه عنيف الثورة شديد النقمة على هذه الغادة التي حالت بينه وبين إتمام لحنه. . . آب إلى غرفته بأمانيه المهزومة كالقائد المنكسر يعود بفلول جيشه وأوسمته القديمة، فألفى غادته الأولى في انتظاره، وهي لم تكن لتحب أن تراه مقطباً عابساً، جلس إلى البيان يعاود ذلك اللحن الطائر، فلا يكاد يشرف على المهوى الذي تعالت فيه ضحكة الساخرة، حتى يتمثل أن ضحكتها تملأ جو غرفته، فيهب مذعوراً يسد أذنيه، وكأن يداً سحرية تحول بينه وبين الانتقال إلى المهوى الثاني. وبعد محاولة غير مجدية غادر البيان والبيان يضحك، وجدران الغرفة تضحك، وهي في قرارة ضميره تضحك. . .
كلفه هذا الحادث كثيراً، فقد أخرجوه من المدرسة، وحرموه الخبز الذي يأكله، فألحف الدائنون في الطلب، ولج الأصدقاء في الهرب. وشفعت له (فتاته ايمي) عند (مدير الأوبرا) ولكن هذا قد قُدَّ قلبه من جماد!
- كن لطيفاً معه
- أنا لست بلطيف
- لا تهجر شوبير!
- إنه يستحق
- ولكن اذكر أن (فينا) تترنم بأغانيه، فأين أغانيك؟
بمثل هذه البساطة وهذه الحدة كانت تجادل (ايمي) مدير الأوبرا لاستمالته إلى معاضدة (شوبير) ولكن العبقرية كتب عليها القدر ألا تخط طريقها إلا بدماء القلب الجريح، والشقاء الدائم، فليمش (شوبير) على طريق العبقرية. . .