- سمعت بأنك تختلط بعمالنا في المزرعة في جلسات طربهم وأني لأربأ بأستاذي أن يغشى هذه المجاميع الساقطة
ولكن شوبير كان يستوحي الفن حيثما كان، ويعتقد أن الفن يسكن في الأكواخ، وفي الجماعات المنحطة، وفي التراب. وظل يغشاها كعادته، حتى فجأته يوماً في مجلس لهؤلاء (الغجريين) الذين تخذوا الحياة عزفاً وطرباً، وقذفوا بهمومها من وراء ظهورهم. فجأته وهي ترتدي رداء (الغجريات) وعلى وجهها تطفو بهجتهن وسرورهن. فرقصت حتى بات المكان كله لا يتسع إلا لقدميها. رقصت حتى أعيت، ودنت منه تنشد مقطوعة رقيقة تدعو إلى الاستسلام الذي تولده الغبطة الكئيبة:
(قل انك تحبني؛ قل بدون انقطاع
قل انك تحبني قليلاً. . .
كلماتك هذه تبعث الغبطة في نفسي، والراحة في قلبي
عيناك هما السبيل الجميل حيث يتوارى حلمي
قل انك تحبني، واكذب إذا وجب الكذب. . .
قل ذلك. . . لأنك - إذا سكتَّ - تسلمني إلى الموت)
وجدير بمثل هذه الأغنية الرقيقة أن تذهلها عن نفسها، وأن تغيب أستاذها عن وعيه. فيلثم يدها، والزوبعة لا يزال هزيمها بين الأغصان. فغادرت المكان راكضة بين المروج الذهبية التي هي قبلة العشاق، ومرتجى أصحاب الوحدة، فتبعها ليرجع إليها نقابها
- قفي يا كارولين. . . لقد نسيت نقابك. ما عسى يقولون في القصر إذا عرفوا؟ لماذا جئت؟
- ألا تعرف أنت حتى الآن. . عانقني يا شوبير!
وهنا ضمتهما قبلة عميقة لم تشهدها إلا السماء. ولم تسمع همسها إلا الأزهار والأعشاب. . . . أذهلتها عن نقابها الذي سقط على الأرض فعادت بغير نقاب