خلق الله - لا الألمان - فإذا فيه فصل طويل عن العرب يعد تطبيقاً لنظرية هجل التي لم أفهمها، فسألت نفسي: لماذا لم يكتب هجل كما يكتب هذا الرجل؟؟ ثم عدت أسألها وأتعجب: لماذا فهم (ديبر) عن (هجل) ولم أفهم أنا عنه؟ وأسأت الظن بنفسي واعتقدت أن بي نقصاً في التدريب العقلي، وراجعت (هجل) وكررت إلى هؤلاء الألمان المعوصين كرة المصمم المستميت، ولكن مضغ الجلاميد أعياني، فنفضت يدي منهم - ومن نفسي - يائساً، وقلت: يا هذا، لقد صدق القائل: كل ميسر لما خلق له، وأنت لم تخلق لتقرأ فلاسفة الألمان، فارجع عنهم، وانج بنفسك منهم
ولست أعرف أن للمتنبي نثراً، وإن شعره لحسبه، فما يحتاج بعد أن قال هذا الشعر أن يصنع شيئاً آخر، أو يجشم نفسه جهداً في باب غيره، ولكني مع هذا أحس بحسرة لأنه لم يشأ أن يترك لنا كتاباً عن مقامه في مصر ورحلته إلى (الأستاذ) كافور! ألا يشعر القارئ معي أن كنوز الأدب العربي ينقصها هذا الكتاب من قلم المتنبي في (كافور)؟ يا لها من تحفة نادرة، ضن بها علينا المتنبي؟؟ أتراه لم يخطر له هذا قط؟ فماذا كان يصنع يا ترى حين لا يعالج النظم؟؟ لقد كان مقلا، وليس ديوانه الذي خلفه بالذي يستنفذ عمر مثله أو جهده، فلماذا يا ترى لم يشغل فراغه الطويل بالكتابة؟ أكان الكلام الجيد لا يؤاتيه إلا منظوماً، لأن عواطفه لا تتدفق إلا على لحن؟ وخواطره لا تنتظم أو تتسق إلا على النغم؟ ربما
وينقص الأدب العربي - في رأيي - اعترافات رواته، فقد ملأوا عالمه بالدخيل والمنحول والمخترع؛ وتركوا لنا نخل ذلك كله وغربلته، فليت واحداً منهم كانت له جرأة (روسو) إذن لارتفعت عن الباحثين تكاليف ثقيلة، ولاستغنوا عن هذه الغرابيل التي لا نراها تغربل شيئاً، ولأمكن أن تنفق الأعمار التي تضيع في هذا البحث، فيما هو أجدى. لو أن الرواة كتبوا اعترافات لخلفوا لنا قصصاً من أمتع ما في الآداب، غربيها وشرقيها، ولكشفوا لنا عن خصائص، نفسية وعقلية، ينفع الناس العلم بها، ولتسنى أن نعلل هذه الفوضى التي أغرق فيها الرواة أدبنا، ولاسيما القديم منه. ومن الذي لا يشتاق أن يعرف لماذا كان الواحد منهم ينظم الأبيات ثم يحشرها في قصيدة لشاعر قديم، أو يخترع القصة أو النادرة ويعزوها إلى هذا أو ذاك من الأولين، ويصر على أن الأمر حق وأنه صادق، ويزعم أنه أخذ ذلك