فيه صديقنا الدكتور إقبال حيث لم تبلغ الآمال والهمم، إذ الدكتور بذكائه المتوقد، وفكره الحاد، وحصافة رأيه، وطول باعه في العلوم والصناعات نال أجل مكان وأخص محل في أنظار جميع أساتذته فكانوا يتباهون به في السر والعلن، ويذكرونه فخراً في مسامرات الأدب وأندية العلم. وهذا هو الذي حفز أستاذه السر توماس آرنلد أن يفوض إليه القيام بأعمال وظيفته بجامعة كمبردج لستة أشهر عند غيابه عنها فخلفه الدكتور أستاذاً بالجامعة، وقام بالمهمة خير قيام تناقلته ألسنة المديح وناطه الذكر الجميل
رجع الدكتور من أوربا إلى الهند في سنة ١٩٠٨ مزوداً بالعلوم والصناعات ومتأهباً لخدمة وطنه وأبناء دينه، فاستقبله حشد كبير من جميع الأجناس والطبقات والأديان والملل. وأقيمت في تكريمه مأدبة فاخرة ليلة وصوله إلى لاهور هنأه فيها أعيان البلد ورؤساء القوم بسلامة وصوله إلى وطنه، كما اعترف غير واحد من الشعراء والأدباء والعلماء والفضلاء بالقصائد والخطب فيها بعلمه وفضله. ومن ذلك الحين اختار الدكتور لنفسه الحياة الحرة ولم يقبل مناصب الحكومة لكي يجد مجالاً واسعاً لبحوثه العلمية، وميداناً أوسع لخدمة إخوانه ودينه. فبدأ يمارس مهنة الإرشاد القانوني للطالبين
والدكتور بنفسه رجل قنوع، نزيه، عزيز النفس؛ يقنع بالكفاف ويرضى بالميسور، كما عبر عن ذلك في بيت من ديوانه:(رسالة الشرق) قال:
ناز شهان نمى كشم ... زخم كرم نمى خورم
درنكَراى هوس فريب ... همت اين كَداى را
(أنا لا أتحمل دلال الملوك، ولا جرح الإحسان
يا من انخدعت بالطمع! انظر إلى همة هذا الفقير)
فقد رفض غير واحد من مناصب الحكومة التي قدمت إليه وآخرها منصب ممثل الحكومة الهندية لدى حكومة جنوب أفريقيا وهو منصب ذو مرتب باهظ وشرف عظيم
اشتغل الدكتور بعد رجوعه من أوربا في تصنيف ديوانين (أسرار خودي) و (رموز بيخودي) على الترتيب باللغة الفارسية. فنالا إعجاب الجميع من ذوي الفضل والعلم، وترجم الأول الدكتور نكلسن إلى الإنجليزية فذاع به صيت الدكتور في أوربا وأمريكا فمنحته الحكومة في سنة ١٩٢٣ لقب (السير) اعترافاً بفضله في الشعر وطول باعه في