سنة ١٠٧٥م؛ وعلى هذا فقد كانت سفارة المستنصر إلى الإمبراطورة تيودورا. وهذا ما يذكره ابن ميسر مؤرخ مصر بوضوح في حوادث سنة ٤٤٧ هـ إذ يقول:(وفيها سير المستنصر، فقبض على جميع ما في كنيسة القمامة؛ وسبب ذلك أن أبا عبد الله القضاعي كان قد توجه من مصر برسالة إلى القسطنطينية، فقدم إليها رسول طغرلبك يلتمس من ملكتها أن يصلي رسوله في جامع قسطنطينية، فأذنت له في ذلك؛ فدخل وصلى بجامعها، وخطب للخليفة القائم؛ فبعث القضاعي بذلك إلى المستنصر فأخذ ما كان بقمامة؛ وكان هذا من الأسباب الموجبة للفساد بين المصريين والروم) بيد أن هنالك من جهة أخرى ما يدل على أن الجالس على عرش قسطنطينية وقت مقدم القضاعي إليها لم يكن الإمبراطورة تيودورا، وأن الذي استقبل السفير المصري هو خلف تيودورا الإمبراطور ميخائيل السادس (ستراتيو تيكوس) الذي تولى عرش قسطنطينية في أغسطس سنة ١٠٥٧م؛ فقد نقل المقريزي في كتابه (المقفى) في ترجمة القضاعي ما يأتي: (وقال أبو بكر محمد بن سامع الصنوبري، سمعت القاضي أبا عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي يقول: لما دخلت على ملك الروم اليون، رسولاً من قبل المستنصر بالله، وأحضرت المائدة، فلما رفعت جعلت ألتقط الفتات؛ فأمر الفراش أن يحضر أخرى، ففعل؛ فقال لي الملك أصبت منه وإنك لم تشبع، فقلت أنا والله مستكف؛ فقال لي لم أكلت الفتات؟ فقلت: بلغني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من التقط ما سقط من المائدة برئ من الحمق والفقر؛ فأمر الخازن في الحال بإحضار ألف دينار وإعطائها؛ فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستغنيت وبريت من الحمق)؛ وذكر المقريزي في الخطط أيضاً ما يؤيد هذه الرواية. على أننا نستطيع أن نوفق بين الروايتين فنفترض أن القضاعي وصل إلى قسطنطينية في أواخر عهد الإمبراطورة تيودورا؛ واستمر في أداء مهمته بعد وفاتها لدى الإمبراطور ميخائيل السادس؛ ومكث حيناً بقسطنطينية؛ ومما يؤيد طول مكث القضاعي بعاصمة القياصرة أنه عني هنالك بالدرس وجمع المواد التاريخية عن المدينة وخططها. أما مهمة السفير المصري لدى البلاط البيزنطي فلم تحددها الرواية الإسلامية تحديداً واضحاً، ولكنا نستنتج مما قدمنا من الظروف والحوادث أنها كانت تقوم على السعي في إقناع البلاط البيزنطي بالتحالف مع مصر ضد السلاجقة، وإعانة مصر بالأقوات والمؤن، تنفيذاً للعهود