للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلك هي المدرسة الفكرية أو الاتباعية، وقد كان أول من أسسها الفيلسوف الأغريقي (أرسطو).

ونحن لا نحسن هنا أثراً لذات الناقد، فهو بعيد كل البعد لا نراه إلا كما نرى الرجل العلمي من خلال بحثه - الفكر والمنطق - ذلك هو الأساس الذي بنى عليه (أرسطو) طريقته في النقد، كان الرجل دقيق الملاحظة للطبيعة والفنّ، وإنه لمن هذين الينبوعين فقط نراه يستقى كل آرائه، يبنى كل نظرياته ويستنتج كل إستقراءاته.

وليس (لأرسطو) آراء شخصية يفرضها على القارئ، فهو إن مدح شيئاً فليس يمدحه لأن نفسه تتعشقه أو تميل إليه، ولكن لأن التجارب قد أثبتت أن هذا الشيء صحيح جدير بالتقدير. خذ مثلاً حديثه عن الشعر القصصي غذ يقول:

(أما عن البحر الذي يكتبه فيه هذا الشعر فهو (بحر الأبطال)، فان أراد شاعر أن ينظم قصيدة قصصية في غير هذا البحر، كان شعره شاذاً غير مألوف. إذ أن التجربة والطبيعة نفسها قد وقفت هذا النوع من الشعر على ذلك البحر).

(وأرسطو) لا يسمح لنفسه مطلقاً بأن تتمسك برأي من الآراء أو أن تمدح شيئاً أو تذم دون ذمّة، وأن يظهر الجميل دون مدحه، شانه في هذا شأن أصحاب المدرسة النظرية في النقد التي كتب عنها (أرنولد) يقول: (هي جماعة من النقاد ذات لون فلسفي باطل خداع، تجيش بنفوسها بعض الآراء الخاطئة التي لم تبنها التجربة والفكر، بل بنتها الأوهام والعواطف الذاتية تريد أن تفرضها على كل ما يقع في يدها من شعر أو فن.

والناقد من اتباع تلك المدرسة لا يمدح عملاً إلا إذا صادف هوى في نفسه وسدّ حاجة من حاجياتها، فان هو لم يفعل كان العمل باطلاً زائفاً، وكذلك من مميزات هذا الصنف من النقاد أنهم يعنون بمحتويات العمل الفني أكثر من عنايتهم بالفن نفسه - أعنى بالأسلوب والطريقة والجمال - كما انك كثير ما تسمعهم يقولون: (حبذا لو ترك الشاعر هذا الموضوع وكتب في موضوع كذا وكيت)، وذلك كما لا يخفى أردأ أنواع النقد وأحطها قدراً، إذ أن واجب الناقد الأول أن يفحص ويحكم على العمل الذيأمامه داخل دائرة العمل نفسه وحدوده لا خارجها محاولاً أن يتفهم ما يقصده الشاعر ويرمى إليه، والى أي مدى استطاع أن يبلغ قصده وأن يبرز فكرته للقارئ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>