ومن المحدثين هذا الخبيث الذي يتناول شعره من كمه، فقلت: من؟ قال: أبو العتاهية، فقلت فيماذا؟ قال قوله:
الله بيني وبين مولاتي ... أبدتْ لي الصدَّ والملاَلاتِ
لا تغفر الذنب إن أسائت ولا ... تقبل عذري ولا مُواتاتي
منحتُها مهجتي وخالصتي ... فكان هجرانها مكافاتي
أقلقني حبُّها وصّيرني ... أحْدُوثة في جميع جاراتي
ثم قال حين جد:
ومهمة قد قطعتُ طامسه ... قَفرٍ على الهول والمحاماةِ
بحُرَّةٍ جسرةٍ عُذا فِرَةٍ ... خوْصاء عَيْرَانهٍ عَلَنَدَاة
تبادِرُ الشمس كلما طلعتْ ... بالسير تبغي بذاك مرضاتي
ياناق خُبَّي ولا تَعِدي ... نفسك مما ترَيْنَ راحات
حتى تُناخِي بنا إلى ملك ... تَوَّجه الله بالمهابات
عليه تاجان فوق مَفْرقه ... تاج جِلال وتاج إخبات
يقول للريح كلما عصفت ... هل لكِ يا ريح في مباراتي
مَنْ من عمُّه الرسول ومن ... أخواله أكرم الخؤولات
وإذا كنت فيما سبق قد جعلت أبا العتاهية زعيم شعراء عصره، فهذا ابن مناذر يقضي له أيضاً بهذا السبق، وهذا بشار قد سئل من أشعر أهل زمانه؟ فقال: مخنث أهل بغداد، يعني أبا العتاهية، وكذلك كان يرى فيه هذا الرأي كثيرون مثل الفراء وجعفر بن يحيى وأبي نواس، قد وازن الحرمازي بينه وبين أبي نواس، فقال: شهدت أبا العتاهية وأبا نواس في مجلس، فكان أبو العتاهية أسرع الرجلين جواباً عند البديهة، وكان أبو نواس أسرعهما في قول الشعر، فإذا تعاطيا جميعاً السرعة فضله أبو العتاهية وإذا توقفا وتمهلا فضله أبو نواس، وقد يرجع هذا عندي إلى ما كان لأبي نواس من دراسة واسعة في اللغة وغيرها من العلوم، فلا يخفى أن مثل هذه الدراسة لم يتح مثلها لأبي العتاهية.
ولكنه يبقى بعد هذا ما قد يفيده ظاهر بعض ما رواه صاحب الأغاني من أن أبا العتاهية لم يكن يرى في شعره هذا الرأي، قال: نسخت من كتاب هرون بن علي، قال حدثني علي بن