وإلى أدبه معا) والحق يا صديقي إنني لا أضيق بشيء ولا أجد به بأساً. لكني أستأذنك في أن أوجه إليك شيئا من اللوم غير قليل. فنحن حقا مختلفان في أمر اللغة والأسلوب خلافاً سأتلو عليك سببه. لكني لم أعرف قط منك أن لغتي وأسلوبي يدنياني من الابتذال. بل عرفت منك غير هذا. ولعلي لا أخطئ إذا وضعت تحت نظرك بعض عبارات كتبتها أنت في هذا الشأن. فقد ذكرت حين كتبت في السياسة الأسبوعية في ١٣ مارس ١٩٢٦ عن كتابي (في أوقات الفراغ). و (. . . كذلك كنت منذ عشرين سنة أو نحو ذلك حين كنت تكتب في (الجريدة) وكذلك أنت الآن. وإن يكن قد جد شيء فهو أنك ازددت فيما أنت فيه من القوة ثباتاً ورسوخ قدم، وانك استطعت ان تملك اللغة العربية وتسخرها لأغراضك، وقد كانت تستعصي عليك وتنتهي بك أحيانا إلى ما يكره سيبويه والخليل، وصديقك طه حسين. وأنت تذكر ما كان بيني وبينك من جدال متصل في هذا الموضوع. فقد كنت أتهمك بقلة البضاعة في اللغة العربية وكنت تجيبني بأني أزهري. وكان أستاذنا لطفي السيد يسخر منك ومني في رفق وحنان. وقد مضت أيام وأعوام وما زلت أنا أزهرياً كما كنت، أما أنت فقد أتقنت اللغة العربية إتقاناً وروّضتها حتى ذلت لك. فأنت تستطيع ان تقول إني أزهري وأنا لا أستطيع أن اتهمك بالضعف في اللغة العربية. ولكن لكل شيء حداً. فما رأيك في أنك أتقنت اللغة العربية، حتى لقد تسرف في هذا الإتقان وتصطنع من الألفاظ والأساليب ما يصح أن تعاب به لأنه أدنى إلى التقعر منه إلى شيء آخر. صدقني فأنت أزهري في بعض الأحيان. وكم لي عليك من فضل أيها الصديق العاق. ما زلت أعيب لغتك حتى أصبحت شيخاً قحاً). . . وقد ذكرت حين كتبت عن فصل الشعر والنثر في السياسة الأسبوعية بتاريخ ٩ أغسطس سنة ١٩٢٧:(أنت لا تكتب إلا اضطررت قرّاءك إلى الثناء والإعجاب، وأنت لا تسمع ثناءً ولا تحس إعجابا إلا ازددت إجادة وأمعنت في الإتقان. ولست ادري إلى أين يذهب بك هذا الإمعان في إجادة البحث وإتقان التفكير والتوفيق إلى الجمال الفني فيما تكتب. الخ) لعلي لم أخطئ إذ وضعت تحت نظرك هذه العبارات وما قد تذكر من مثلها لأوجه إليك شيئاً من اللوم غير قليل. فمالك يا صديقي وكلنا نعرف دقة ذوقك الأدبي، لم توجه نظري منذ تلك السنوات الطويلة إلى ما أتورط فيه من خطأ واضطراب في الأسلوب يدنيني أحيانا من الابتذال. لقد كان لي أثناءها متسع من