للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوقت لأوجه شيئا من الجهد أسلم به من هذا الذي لم تنبهني إليه إلا اليوم. أما ولم تفعل فلعلي لا أغلو يا صديقي إذا اتهمتك بأنك خدعتني كل هذه السنين وعبثت بي كل هذا العبث، وتركتني حتى تقدمت بي السن إلى حيث لا يستطيع الإنسان إصلاح ما أفسد الدهر.

أم أن الأمر ليس كذلك يا صديقي وأنك أنت قد ازداد ذوقك الفني دقة، زادت نقدك للغة والأساليب بأساً وشدةً، فأخرجني ذلك من حظيرة رفقك وتسامحك. إن يكن ذلك فأنت جدير من أجله بكل ثناء، جدير بكل تقدير على ما حباك الله مما كنت أود لو جاد عليّ ببعض منه.

أم إنني كنت يا صديقي على ما وصفت في سنة ١٩٢٦ وسنة ١٩٢٧ ثم عادت بضاعتي من اللغة العربية إلى مثل ما كنت تذكر قبل خمس وعشرون سنة من قلة، وعاد أسلوبي إلى الاضطراب أحيانا. إن يكن ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله. وإنّا لله وإنا إليه راجعون. فإما إن لم يكنه فلومي شديد إياك وعتبي عليك يقضي به عليك وفاؤك لصديقك أن تراجع كتبه كلها ما ظهر منها وما قد يظهر وان تزيل منها ما قد يكون فيها من اضطراب وخطأ، فان لم تفعل وجهت إليك اليوم ما وجهت أنت إلي في سنة١٩٢٦ من تهمة عقوق الصداقة وعدم الوفاء بما لها من حق.

أحسبك ستبتسم حين تقرأ هذه العبارة لأنك تعلم أني لا أضيق بأسلوبي، ولا أجد به بأساً. ولعلك يا صديقي على حق. بل انك لعلى حق. فليكن أسلوبي ما يكون فلن أرضى به بديلا: فأسلوب الكاتب هو الكاتب. ولن أرضى لنفسي أن أكون إلا أنا. أنا بما فيّ من حسن وقبيح. من خير وشر. من عرف ونكر. والحمد لله الذي جعلني كما أنا، ولم يجعلني شراً مما أنا. والحمد لله الذي جعل كثيرين ممن تناولوا كتابي هذا وغيره من كتبي يعجبهم أسلوبي اكثر مما أعجبك يا صديقي.

وما لي أضيق بأسلوبي ولم اتخذ الأدب يوما صناعة ولا أنا توفرت على دراسة الأدب. إنما أنا رجل درس القانون ودرس الاقتصاد والسياسة ومال إلى قراءة الفلسفة والأدب لا إلى دراستهما دراسة انقطاع وتمحيص، وطبيعي أن يكون أسلوبي أسلوب الذين درسوا القانون والذين يرون ان تؤدي المعاني بألفاظ لا تزيد عليها ولا تضيق بها، والذين لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>