للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأوديسا فذكرت الأنياد. وإذا ذكرت لك أنني أنا الذي قمت بتصحيح تجارب الكتاب فقرأته عدة مرات قبل طبعه رأيت أني أكبر جريرة. لكني اختلف وإياك وإن كنت لا أحسب ذلك خلافا فيما ذكرت عن لابرويير وموليير. فما اشك في انهما تأثرا بكتّاب اليونان ممن ذكرت ومن تعرف أكثر مما أعرف لأنك درستهم دراسة خاصة. ولكنني إنما أردت أن موليير ولابرويير لم يتخذا من تاريخ اليونان والرومان إطار أدبهما كما فعل راسين وكورني. بل اتخذا الحياة المحيطة بهما وتأثرا بها إطار أدبهما. وهذه خطوة في التحرر من آثار اليونان والرومان مهدت للخطوات التي بعدها. فان تكن إشارتك يا صديقي إلى طائفة من الخطأ تأخذ به كتابي إنما هي إلى خطأ من هذا النوع، فلعله لا يكون خطأ. ولعلنا نستطيع أن نتفق عليه اتفاقنا على أكثر ما في كتابي من آراء، وليس شيء احب إلى من أن أتفق وإياك وأن كنت أجد في اختلافنا لذة لا أجدها في خلاف يقع بيني وبين أحد غيرك.

وقد لاحظت يا أخي أن اشتغالي المتصل بالسياسة قد أثر في تصوري الأشياء وفي حكمي عليها بعض الشيء وذكرت لذلك مثلين:

أحدهما إني أسرفت حين أسأت الظن بما يكتبه الأوربيون عن حياتنا الأدبية بينما أنت تظن أن (جب) وأمثاله لا يأخذون السياسة وأهواءهامقياساًلدراستهم الأدبية. والثاني إنني أسرفت حين أحسنت الظن بنا وبحظنا من الخيال وقدرتنا على الإنتاج وإني إنما فعلت ذلك لأرضي المصريين والشرقيين في الأدب كما أفعل في السياسة. وانك أنت ترى هذا شرا لأنه تغيير للحقائق العلمية إرضاء لمصر والشرق، والحقائق آثر عندك من أي شئ، ومن أي إنسان. وإنني لأؤكد لك صادقا ان الحقائق العلمية آثر عندي أنا أيضا من كل شئ ومن كل إنسان. وإذا كان اشتغالي المتصل بالسياسة قد اثر في تصوري الأشياء وفي حكمي عليها فإنما كان أثره أن زادني تقليباً للأشياء، وامتحانا لها وتعمقاً في بحث ما تنطوي عليه وما ترمي إليه، وأنا معك في أن (جب) وأمثاله لا يتخذون السياسة وأهواءهامقياسا لدراستهم الأدبية. لكن دراساتهم هذه، ودراسات الكثيرين منهم على الأقل، يقصد بها أكثر الأمر إلى تنوير الساسة من أهل بلادهم، وإلى اطلاعهم على عنصر من عناصر حيوية الشرق هو في رأيهم، وهو في الواقع، أجلّ هذه العناصر خطراً. فإذا كانت الأهواء السياسية ليست هي التي توجه دراساتهم فدراساتهم يقصد بها في كثير من الأحيان إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>