ثم هناك مسألة أخرى اختلف فيها الناس كثيراً: هل وجهة النظر الشيوعية المذكورة شيء فجائي من شأنه أن يقضي على وجهة النظر السائدة في الغرب، ويقطع عليها الطريق، أو أنها نتيجة سير وجهة النظر الثانية وتطورها؟
فبعضهم يقول بأنها وليدة التطور والاتساع العام للمدارك عند الأمم الغربية، يشبهونها بمذهب (الرومانتيسم) الذي كان وليد الاتساع الخاص للمدارك الأدبية
لكن الأمر على غير ما يتصورون، فأن الرومانتيسم برغم ما أدخله من العناصر الجديدة في الأدب لم يكف أصحابه عن الاعتقاد باستقلال الرجل الموهوب وبعده عن المؤثرات والأوضاع الاقتصادية
فبين وجهتي النظر الغربية والشيوعية إذاً تباين ليس في المرتبة أو المسافة، بل في الروح والتكوين)
لم يكد ينتهي المسيو بندا من خطابه حتى قفز إلى المنبر العضوان الفرنسيان المسيو كهينو والمسيو نيزان، وإليك خلاصة ما قاله الأول:
(إن الأمر أهون بكثير مما يتوهمه المسيو بندا، فحسب رأيه إذا أنتقل واحدنا من هذه البلاد إلى بلاد الاتحاد السوفيتي فلابد أن تستقيم له غير هذه الروح وغير هذا الدماغ للتفكير
لا حاجة عندي لكل هذا التغيير وإذا لم يكن بد من شيء فهو اتباع العقل في مجرى تدرجه الطبيعي
وليست الثورة البلشفية الأخيرة عن بواعث دينية أو إقليمية محلية، بل هي حلقة من سلسلة الثورات الإنسانية التي ابتدأت منذ أن دب الإنسان على الأرض
ولست أرى في كارل ماركس غير مفكر من هؤلاء المفكرين الذي يظهر أمثالهم كل يوم في الغرب، وليس هنالك من شيء في رأي يدفع بنا إلى مقاومة الماركسية ونبذها
ومن العبث والسذاجة أن نقابل هذا الخط الطويل من الآراء المثالية بخط مثله من الآراء الاقتصادية التي لا تقل في قدمها وفي تدرج حركتها عن الآراء الأولى
أما إنجاح الماركسية، فمتوقف على الفئة التي تهتدي قلوبهم إليها وعلى مقدار إخلاصهم وتضامنهم، ولا أظن أن هنالك فريقاً من البشر يلحقه خيرها وفريقاً آخر يلحقه شرها؛ مادام الناس في هذا العالم متشابهين من أكثر الوجوه، وذلك ما يقوله لنا إحساسنا الداخلي في كل