إن هذه الطائفة المثقفة التي شاء أن نسميها بالعالم الغربي نقبل كل انتقاد يمكن أن يوجه إليها، أو إلى الأوضاع التي تعيش فيها، ونرحب بكل تحوير ممكن لهذه الأوضاع يكون في جانب الطبقات التي تحيى وتفكر، وتجوع وتموت. ونقبل في آن واحد أن نؤمن ونشك في كفاءة الإنسان وقدرته، كما قبل ذلك كارل ماركس في كلامه عن الإنسان (الذي اكتفى حاجاته) ونحن قبل كل شيء نرفض المعتقدات الدينية، والصفات الإلهية رفضاً باتاً ونعتبرها - كما أعتبرها أبيقور وكتاب فرنسا في القرن الثامن عشر - أشياء تتمثل فيها مخاوف الإنسان وأثر اضطهاده
أما موقفنا من وجهة النظر الغربية فهو ليس قطعاً لها وانفصالاً عنها، بل هو موقف المنور الهادي الذي يقبل الحالين معاً فيتسع إلى أقصى حد ويضيق إلى أقصى حد
ونحطم بالحجة الدامغة هذه الميثولوجيا الإنسانية التي تريد منا أن نعبد ونمجد إنساناً غامضاً نجهل وجوده، وتحملنا على أن ننسى أو نتناسى أننا للآن لم نكن متساوين في الآلام، وفي الانتصارات، وحتى في الموت)
يتبين لنا من خلال الخطب الثالث التي تخيرنا تلخيصها في هذا المقال، المنطق الذي جرى عليه الخطباء في نقشاهم، فلا سبيل إلى الحشو والتنميق، وكانت الأبحاث على بساطة إنشاءها دقيقة إلى حد كبير، يقرأها القارئ الفطن بدون عناء، فتتجلى أمامه المشاكل الكبرى التي طالما دوخه التفكير فيها محلوله فيها لا تحتاج لغير التنفيذ، وكأنما العالم مريض أصيب بداء عضال عالجه هؤلاء الكتاب فأحسنوا التشخيص وأحسنوا الدواء
ولعل أكثر جلسات المؤتمر حماسة هي الجلسة التي بحث فيها الكتاب موقفهم من المجتمع، فكانت مظاهرة علمية قامت ضد الظلم والجور والاضطهاد، وكيف لا يتظاهر الكتاب للحرية المغتصبة، والحق المضاع، وهم رسل الحرية ورواد الحقيقة، بل كيف لا يثورون وبينهم قسم كبير طردوا من بلادهم بعد أن أحرقت كتبهم وسيموا أنواع العذاب والتنكيل، لكن هذا الحماس ما لبث دقائق حتى عاد الكتاب يبينون آراءهم في جو مشبع بالهدوء والسكينة
شكت كارن ميكائيليس مندوبة الدانمارك من أن الكتاب لا يأبهون كثيراً إلى المهمة التي خلقوا لها، ولا يقدرون الدور الذي يجب أن يلعبوه على مسرح الحياة حق قدره فيؤدوه خير