الصداقة العمياء هذه ذات التعليمات والأحكام الجارفة
أما فيما يخص الأشعار فليس في البقية الباقية من شعر الفيلسوف بيكون ما يدل على أنه شاعر بالمعنى الصحيح؛ ذلك الشاعر الفذ الذي يمكن أن يعزى إليه نظم تلك القطع الرائعة التي تتخلل معظم رواياته وخاصة الأخيرة منها
هذا أما المفردات أو الفقرات العديدة الواردة في روايات شكسبير والدالة على تبصر في العلم وتبحر في الفلسفة والقانون وإلمام بأغلب الفنون فلم تكن مقصورة على شكسبير أو على بيكون وحدهما. فقد كانت بحق ملك جميع المؤلفين في عصر اليصابات وبالأخص الأخير منه. إذ شاع فيه التقليد والنسج على منوال الأولين. فالذي يجوز لنا الارتياب في أمر تأليف شكسبير لهذه الروايات على هذا الأساس الواهي، يجوز لنا أيضاً الاشتباه في غيرهم من الكتاب والشعراء
وعلاوة على هذا يرى أنصار شكسبير أن ليس في هذه الروايات ما يدل على إلمام واسع بالعلوم والفنون أو تعمق في الفلسفة والقانون، إلماماً وتعمقاً يصح معهما أن ينسب تأليفها إلى بيكون صاحب النظريات الفلسفية الخالدة والنثر الأدبي الرائع
أما القول بأن مؤلف هذه الروايات لابد أن يكون أرستقراطي النسب والنزعة كما يظهر من شعوره نحو الرعاع وخصوصاً في (يوليوس قيصر) و (كور يولانوس) فليس بالقول الذي يعتمد عليه بنيان مثل هذه النظرية وتحقيقها. إذ ما روايات شكسبير إلا مملكة كبيرة، فيها الملوك والنبلاء، والرعاع والعلماء، وفيها الجنود والصناع، والأرواح والآلهة، كل منهم يفكر ويقول ويعمل حسب طبيعته ونزعته، وعلى قدر قوته ومعرفته، غير مقيد برأي الشاعر أو عقيدته الخاصة. بذا يمتاز شكسبير عن (بروننج) خاصة وعن باقي الشعراء والكتاب عامة. فما الرعاع في الحقيقة إلا من هذا البشر الذي توخى شكسبير في تصوير طبيعته ونفسيته الصدق والعدل
هذا بعض مما يقوله أنصار شكسبير في الرد على خصومه، غير أنهم لا يقفون عند هذا الحد، بل يوردون الحجج الإيجابية الدامغة التي تؤيد آراءهم كل التأييد. من ذلك قولهم إن حياة شكسبير ليست محاطة بالإبهام كما يظن خصومه. فلو استعرضنا تراجم معاصريه من الأدباء لألفينا في جميعها - اللهم إلا من اتصل منهم بالسياسة أو القانون وكان له فيها شأن