هؤلاء يحتقرون أصلهم. كما يفعل الأعزاء العاقون الناكرون الإحسان)
تلوت هذه الفقرات وأنا أكذب نفسي وأتهمها. أحقاً أرى صاحب الجبل الملهم يتنصل من اللغة العربية، ويعتبرها زهرة غربية نبتت طفيلية في حدائق لبنان؟ أحقاً يرى صاحب الجبل الملهم أن هذه اللغة قد فرضت على أهل لبنان بالسيف والدم؟ فإذا كان الشاعر لم يكتب له نصيب ولا سهم في هذه اللغة لا في نطق ولا كتابة، فما له يعمل على التنكر منها وضربها في الصميم! وما بال أصحابنا اللبنانيين يشايعونه على هذا. وهم علموا ما للعربية من فضل ومآثر. وعلموا أن الإسلام لم يفرضها عليهم بالقتل والضرب. وإنما فرضت نفسها وعملت على فرض نفسها. ومتى كانت اللغات تلين لإرادات الأفراد؟ وهل السريانية أخت العربية لو كان في أجلها فسحة تذوقت رداها؟ وماذا في السريانية من أدب وفن يتعلق بأحشاء لبنان، ويصطبغ بدم لبنان؟
وأما أن الشاعر لا يريد الكتابة بالعربية لأنه لا يراها جديرة بأن تكون وعاء حكمته وفنه وشعره، فهل عجزت اللغة عن ضم شتات أفكاره؟ وهي التي لم تعجز ولن تعجز عن أفكار من كان لهم شأنهم وخطرهم، إلا أن تكون أفكاره مما لا تحيل به العقول. ولكن هو الشنآن
كنا نريد أيها الشاعر وأنت لا تنطق بهذه اللغة أن تحترم على الأقل كيانها، ولا تدس عليها دساً يسخر منه الأجانب أنفسهم. كنا نريد أن يكون لك بأدباء المهجر أسوة حسنة: أولئك الأدباء الذين اصطلحت عليهم عوامل الغربة والانقطاع. وظلوا راعين للغتهم حافظين لحرمتها عاملين على رفع ألويتها. وقد علمت منهم المجيد السباق في لغته واللغة الأجنبية التي اصطنعها. كجبران ونعيمة والرياحاني وكثير من أمثال هؤلاء في المهجر وغير المهجر ممن تفتحت لهم من الآفاق ما تفتح لك، ولان لهم من عبقرية غيرهم ما لان لك
وأما أن الشاعر يود العودة إلى إحياء الروح الأولى الروح الفينيقية، شأن المصرية الفرعونية. فالمصريون والفرعونيون أنفسهم لم يفكروا يوماً في نفي اللغة العربية من بين ظهرانيهم، ولم يجدوا في بقاء العربية ما يحول بينهم وبين التمصر الذي أرادوه
اضطراب - في لبنان - في المثل العليا والتفكير، واختلاف في الثقافة والمنحى. كأنما بيئة