للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فوضعوهم، وهجاهم قوم فردوا عليهم فأنهضوهم، وهجاهم آخرون فرغبوا بأنفسهم عن جوابهم فأسقطوهم)

مذهبهم في الهجاء

مذهبهم في الهجاء هو المذهب المتبع والطراز الغالب؛ على أنهم يتفاوتون فيه تفاوتهم في الطبقة والبيئة والطبع

فالأخطل سيد في قومه، كريم في نسبه، نبيل في نفسه، يعاقر الخمر ويجلس الملوك ويحترم الدين ويحتمل في سبيله ضرب الأسقف وأذى السجن وإن كان لا يتعبد ولا يتزهد. ومن أجل ذلك كانت لغته في الهجاء كما ذكرنا من قبل لغة الخاصة، لا يسف إلى القبيح ولا يستعين بالمخازي، وإنما يهاجم القرن في صفات الرجولة فينفي عنه الكرم والبأس والمجد والصدق كقوله في تيم:

وكنت إذا لقيت عبيد تيمٍ ... وتيما قلت أيهما العبيد!

لئيم العالمين يسود تيماً ... وسيدهم وإن كرهوا مسود

وكقوله في كليب بن يربوع:

بئس الصحاب وبئس الشرب شربهم ... إذا جرى فيهم المزَّاء والسكَر

قوم تناهت إليهم كل مخزية ... وكل فاحشة سُبَّت بها مضر

الآكلون خبيث الزاد وحدهمُ ... والسائلون بظهر الغيب ما الخبر

وأقسم المجد حقاً لا يحالفهم ... حتى يحالف بطنَ الراحة الشعَر

ولعل أفحش هجائه قوله في قوم جرير:

قوم إذا استنبح الضيفان كلبُهم ... قالوا لأمهمُ بولي على النار

فتمنع البول شحاً أن تجود به ... ولا تجود به إلا بمقدار

والخبز كالعنبر الهندي عندهُم ... والقمح خمسون إردباً بدينار

فترى أنه حتى في إقذاعه وإيجاعه لا يتدلى إلى ذكر المثالب الخاصة والمعايب الفردية، وإنما يهاجم قبيلة الخصم كلها فيقايس بينها وبين قبيلته في السمو إلى المعالي والسبق إلى الغايات، وفي ذلك يجد بلاغه ومدده، فلا يضطر اضطرار جرير إلى ذكر الصغائر التماساً للغلبة الدنيئة من أقرب طريق. انظر إلى قوله لجرير:

<<  <  ج:
ص:  >  >>