للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يا ابن المراغة إن عَمَّىَّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وأخوهم السفاح ظمَّأ خيله ... حتى وردن حبى الكلاب نهالا

فانعقْ بضأنك يا جرير فإنما ... منتك نفسك في الخلاء ضلالا

منتك نفسك أن تكون كدارم ... أو أن توازي حاجباً وعقالا

وإلى قوله له:

ولقد شددتَ على المراغة سرجها ... حتى نزعت وأنت غير مجيد

وعصرت نطفتها لتدرك دارماً ... هيهات من أمل عليك بعيد

وإذا تعاظمت الأمور لدارم ... طأطأت رأسك عن قبائلِ صيد

وإذا عددت بيوت قومك لم تجد ... بيتاً كبيت عطارد ولبيد

تجد أن هجاءه أقرب ما يكون إلى المنافرة والفخر. ومن الواضح أن هذا الهجاء العفيف المترفع وإن أمض لا يجري مع هجاء جرير في ميدان، ولا يستوي وإياه عند العامة في ميزان، فكيف إذا اجتمع إلى ذلك خمود الشيخوخة في الأخطل وحدة الشبيبة في جرير؟ إن جريرا نفسه قد علل وناء خصمه عنه في آخر الشوط بكبر سنه، فقد قال: (أدركته وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني). وقال في قصيدته النونية التي هجا بها الأخطل على أثر تفضيله الفرزدق عليه:

جاريت مُطّلع الرهان بنابهٍ ... رَوْقُ شبيبته وعمرك فان

وإذا استثنينا هجاء الأخطل لجرير وجدنا أشهر أهاجيه إنما قالها في أغراض قومية أو سياسية. ومن تلك الأهاجي المأثورة قصيدتان تلخصان مذهبه وتصوران فنه: الأولى في هجاء القبائل القيسية ومطلعها:

ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر ... وإن كان حيّانا عِدَي آخر الدهر

والأخرى في مدح عبد الملك بن مروان وذم خصومه ومطلعها:

خف القطين فراحوا منك أو بَكَروا ... وأزعجتهم نوى في صرفها غِيَرُ

ومنها:

بني أمية إني ناصح لكم ... فلا يبيتن منكم آمن زُفَرِ

فان مشهده كفر وغائلة ... وما يُغيَّب من أخلاقه وعرِ

<<  <  ج:
ص:  >  >>