دسيسة، وأن الثوار قد تأهبوا للفتك بالأعداء، واضطرب في مكانه، إذ لم يكن معه حسامه؛ وهاهو ذا يرى رجاله وقد تردوا في ساحة المدينة، وصمتت الموسيقى، وتلاشت ضحكات الضباط، ومر على مخيلته ما سيلاقيه - إذا هو ظل حياً - من محاكمة وإهانة، فلم يجد أمامه من وسيلة للنجاة إلا أن يلقي بنفسه في سفح هذا الوادي، حيث يتحطم جسمه على صخوره الجاثمة هناك:
وإذ كان على أهبة تنفيذ ما اعتزم، أحس يداً أعاقته عما هو قادم عليه، فاشرأب إلى صاحبها، فإذا به (كلارا) تهيب به، أم أسرع فان أخوتي على آثاري قادمون. . . . للفتك. . . بك؛ وامض إلى الصخرة القائمة عند سفح التل، وستجد حصان أخي (جوانيتو) فامتطه ولا تتريث لحظة، وإلا فقدت حياتك
فحدق الفتى فيها دقيقة، وقد فاضت نفسه بالدهشة، ولكنه تنبه أخيراً، إذ ثارت في نفسه غريزة حب الحياة، تلك الغريزة التي تتمثل في الجميع على السواء، في حيوان أو إنسان، وحمل إليه الريح صدى صوت (كلارا) تهيب بأخوتها، ألا يتريثوا في اقتفاء آثاره، كما سمع وقع حوافر دوابهم تسابق الريح، وهم على صهواتها يرسلون عليه وابلاً من الرصاص الذي يمر بجانب رأسه، ولم يتمهل هو الآخر لحظة في الطريق بل أسرع بالجواد، وبعد بضع ساعات كان في حضرة الجنرال، كان في ثلة من إخوانه يتناولون طعامهم، فارتمى أمامه قائلاً:
- (مولاي. إن حياتي بين يديك، افعل بها ما تشاء؟)
ثم أخذ يقص على الجنرال قصته، فإذا الجميع ينصتون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، وعلى وجوههم غبرة، ترهقها قترة، وألجم الخبر أفواههم، وجعلهم آذاناً فحسب، فلما أتمها قال له القائد العام:
- (يا هذا إني أراك سيئ الحظ، أكثر من أن تكون مذنباً، لا تثريب عليك، وإني لأبرئ ساحتك، إلا إذا رأى المرشال غير هذا)
فسأله الضابط:(وإذا سمع الإمبراطور بالحادثة!؟)
فأجابه الجنرال: (سيكون القتل نصيبك، ولكن دعنا الآن من هذا، وهيا ندبر خطة ننتقم بها من هؤلاء الأوغاد، أوشاب الإنسانية، لابد أن يكون الثأر شديداً، حتى تخمد في نفوسهم