للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوحشية والدناءة)

وفي ساعة من الزمن، شدت فرقة من الجند رحالها، على رأسها الجنرال، بصحبة الضابط فكتور، وإذا الجنود بمصير زملائهم الذين أخذوا على غرة، ثارت في عروقهم دماء الانتقام واستحلوا شعلة تتأجج لحرق الأسبان، وأقسموا أن ينتقموا لإخوانهم أشد انتقام، وسرعان ما قطعوا المسافة بين مدينة مندا، وبين مركز القيادة العليا

ورأى الأسبان أنفسهم محاصرين، وعلموا أن الجنرال لا يتردد لحظة في الفتك بأهل المدينة، لا تأخذه في ذلك شفقة ولا رحمة، فبعثوا إليه رسل المهادنة، ورضى هو أن يسلم كل من في القصر أنفسهم إليه، من أحقر الخدم إلى المركيز نفسه، واتخذ القصر مركزاً للقيادة؛ وأمر كل فرد من أفراد الأسرة الحاكمة، وخدمها أن يقيد، ونكل بالثوار أشد تنكيل، ولم يرحم رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً، بل ثارت فيه غريزته الوحشية، وبينما هو في مجلس من رجاله إذ أقبل عليه فكتور ماشاند، وقال له:

- أسألك يا مولاي أن تجيب لي طلباً، هو أن المركيز يرجوك أن تفرق بين الأشراف والعامة، وذلك بأن تطيح رقابهم بيد الجلاد لا بالمشنقة، وأن تفك قيودهم التي كبلوا بها، ولن يحاولوا الهرب، وذلك عهد قد قطعوه على أنفسهم، وإنه ليتخلى لك عن جميع أملاكه وأمواله إذا عفوت عن أحد أبنائه ووهبته الحياة

فقال الجنرال: إن أمواله قد أصبحت تبعاً للملك جوزيف، ولكني سأهبه ما طلب، وإن كنت أعرف علة رجائه، في أن يبقى اسم الأسرة، ببقاء أحد أفرادها؛ سأهبه ذلك، لمن يرضى أن يكون جلادهم، ويطيح برقابهم، والآن لا تذكر لي شيئاً عنهم البتة

اجتمع الضباط في الغرفة التالية يتناولون غداءهم، وكانوا في نهم شديد إثر ما كابدوه من نصب وتعب، فأقبلوا على الطعام كالوحوش الضارية قد أنشبت مخالبها في فريسة دسمة بعد طول سغب، وتفقدوا الضابط فكتور، فلم يجدوه بينهم، ذلك لأنه مضى إلى الحجرة التي فيها عائلة المركيز وآلمه أن يرى سادة الأمس مقيدين كالعبيد، قد ارتسمت على وجوههم دلائل الأسى الشديد، واللوعة المرة؛ وأي لوعة أشد على النفس من أن المرء أن يرى عبدا حقيرا يتحكم فيه وهو السيد الحاكم؟ وسرت رعشة في جسد الضابط حين فكر في هذه الرؤوس الجميلة، وأنها ستهوي على أقدام الجلاد مصبوغة بالدماء، وكأنما هم كانوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>