يفكرون في هذا الأمر نفسه، فقد بعثروا حولهم تنهدات الألم والحزن التي ملأت جو الغرفة، وإذ أبصروا فكتور يدخل حجرتهم اشرأبت أعناقهم، طمعاً في أن يكون حاملا إليهم بشرى العفو، فأمر الجند أن يفكوا قيود السادة، ومضى هو بنفسه يحل وثاق (كلارا) فقابلته على صنيعه هذا بابتسامة اغتصبتها اغتصاباً، ومس في رفق ذراعها البضة الناعمة، وأعجبته خصلات شعرها الفاحم، المتهدل على جبينها الوضاء، وفتنة قدها الممشوق الجميل، وخصرها الأهيف، فسألته هل نجح في مهمته، فهمهم همهمة حزينة، وجال ببصره في وجهها ووجه أخوتها الثلاثة، وكان (جوانيتو) أكبر الأبناء يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، وأخوه (فيليب) عشرين ربيعاً، وكان (عمانويل) يبلغ ثمانية أعوام، ذا أنف روماني وطلعة جميلة؛ ثم جمع أطراف شجاعته، وأخبرها برأي الجنرال، فسرت رعدة الرهبة في أوصالها، ولكنها تشجعت ومضت تخبر أباها بما أسره إليها فكتور، وزادت عليه قولها: - أبى عليك أن تأمر (جوانيتو) وعليه أن يصدع بأمرك إذا كان مخلصاً لك، ففي طاعته إياك، وتلبيته لرغبتك إسعادنا! فلما سمعت الأم ذلك، أحست بالأمل يعاودها، وظنت أن نجاتهم أصبحت قوسين، وما علمت أن المركيز إذ ذاك يطلب من ولده أمراً، تنهد له الجبال هدا، وإذ تبينت حقيقة الأمر واطلب ارتدت إلى الوراء، تعلوها صفرة اليأس، وعرف جوانيتو السر فثارت دماء الغضب حارة في عروقه، وهب ثائراً كالأسد، قد ألفى نفسه أسير قفص من الحديد، بعد أن كان يطأ الثرى، في زهو الأمير، ويرى الغابة كلها تكاد تضيق عن خطى أقدامه، ولكن الأب هدأ كل ذلك، بأن قال:(جوانيتو)
فكانت إجابة جوانيتو هزة الرفض من رأسه، وارتمى خائراً على مقعده، يصعد ناظريه في أبويه، وقد تجلت الدهشة والأسى والغضب في عينيه الحائرتين، فلما رأت (كلارا) إصرار أخيها على الرفض، تركت مكانها إلى حيث جوانيتو، وطوقت عنقه بذراعيها الغضتين، وجثت أمامه وقبلته في عينيه قائلة:
- (أي جوانيتو: يا أعز ما أملك، آه!. . . ما ألذ الموت إذا كان من يدك!. . . إنك لا تدري حلاوته. . . كما أشعر بها الآن. . . أنقذني. . يا جوانيتو. . من يدي السفاح. . الملوث اليدين. . . حتى لا يقال. . . إن جلاداً حقيراً. . . أطاح رقاب العائلة الحاكمة. . وأنقذني من بين براثنه. . وبراثن رجل آخر)