ثم نظرت شزرا إلى فكتور، نظرت إليه نظرة تفيض حقداً وكراهية واحتقاراً، وكأنها بذلك تثير في نفس أخيها الحقارة للفرنسيس، وتشعل الضغينة في نفسه عليهم،. . . ثم قال له أخوه فيليب متوسلاً:(كن شجاعاً صنديداً وإلا محوت عائلتنا الشريفة من العالم)
وأمره الأب، فلم يلب طلبه، فجثا أمامه، هو وأخوته جميعاً ورفعوا أكفهم متوسلين إليه أن يضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، وأن ينقذ اسم العائلة من أن يدنس، وعرف الأب من أين تؤكل الكتف، فأهاب به قائلاً:(أي بني. أغادرتك شجاعة الإسباني، وإحساسه الشريف؟ أأجثو أمامك. . . وأتوسل إليك. . . ولا ترد طلبي إلا خائباً؟ أتفكر في ألمك فحسب. . ولا تزنه بآلامنا جميعا. . إذا أصررت على المكابرة) ثم التفت إلى زوجته قائلا: أهذا ولدي يا زوجتي؟
فصاحت به الأم في يأس:(سيلبي طلبك. . أيها المركيز!!) ولمحت جبين جوانيتو ينعقد أكثر، وتبينت أنه يألم لها أكثر من الجميع وحينذاك كانت الثانية (ماركينا) قد تعلقت بأطراف ذيل أمها، بقبضتيها الضعيفتين، وأخذت تذرف الدموع، فلما شاهدها (فيليب) انتهرها ولامها، وإذ ذاك دخل الحجرة كاهن المدينة، فالتفوا حوله كصغار الطير، ومضوا به إلى جوانيتو الصامت، فلم يستطع مرشاند، أن يرى هذا المنظر الأليم، فبارح الغرفة إلى حيث اجتمع الجنرال مع بعض قواده يجرعون الخمر، وقد أصدر أمره بإحضار فرقة من الجند تذب الناس عن أن يقربوا من جثث الخدم المشنوقين، مدلاة أمام أعين السابلة، ووقف الجلاد بهيئته المفزعة ليحل مكان جوانيتو إذا خانته شجاعته، ولم يستطع أن يقوم بتنفيذ ما عهد إليه، وصدع هذا السكون الضارب أطنابه على المكان وقع أقدام عائلة المركيز، يحيط بهم الجند مشهرين سيوفهم، يلمع في ظباها الردى، ولم تفارق الهيبة أفراد الأسرة، وكانوا يتقدمون إلى حيث النطع ممدود في خطوات هادئة، لا أثر للخوف أو الاضطراب فيها، غير أن أحدهم قد علته صفرة الأموات، متكئاً على ذراع الكاهن الذي أخذ يهدئ روعه المضطرب، بترانيم دينية، فعرف الجميع حينئذ أن (جوانيتو) سيقوم بمهمة الجلاد في إطاحة الرقاب، وجثا الجميع قريبين من المقصلة، وأي مشهد آلم للنفس من أن ترى عزيز قوم ذل؟ لقد كان المركيز وزوجته وابنتاه، وولداه أمام جوانيتو، الذي أسر إليه الجلاد بعض الكلمات