للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حينذاك اقتربت (كلارا) من أخيها، وصاحت به: جوانيتو، ابدأ بي إذا أردت أن ترفق. . . بشجاعتي المنهوكة. . . هيا. . أطح رأسي أولاً!!

وساعتئذ أبصر الناس الضابط (فيكتور مارشاند) مسرعاً نحو (كلارا) التي جثت على ركبيتها تتأهب للأمر الواقع، وتستعد لأن يطاح رأسها، فلما حاذاها تماماً قال لها في أذنها: (إن الجنرال ليعفو عنك ويهبك الحياة إذا رضيت بي زوجاً!)

فصوبت إليه نظرة ملؤها الكبرياء بنفسها، والازدراء له، ثم صاحت بأخيها، كأنها اللبؤة الضارية: (هيا، يا جوانيتو. . فإني. . . على أتم الاستعداد. . . .) وإذ ذاك أبصر الناس رأسها الجميل يتدحرج تحت قدمي أخيها، وقد انفصل عن جسدها، وسرت الرعشة في جسد أمها، ولكنها ملكت عواطفها، وتقدم أخوه عمانويل وسأله: (أتراني في مكاني تماماً. . أيها العزيز جوانيتو؟)

ثم أقبلت إليه أخته الصغيرة (ماركينا) والدموع تنهمر من عينيها، فسألها: (أتبكين يا أختاه؟)

فقالت: نعم يا حبيبي جوانيتو، إني أبكي من أجلك. . . . لشد ما يؤلمني أن تظل وحيداً حين تتفقدنا جميعاً فلا تجدنا معك)

ولكنه رفع السيف وأهوى به على رقبته الصغيرة، وإذ ذاك تقدم منه أبوه المركيز، فصوب ناظريه، وصعدهما، في دماء أبنائه الجارية تحت قدميه، كأنها المياه المتدفقة شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ثم التفت ناحية الجماهير الذين عقدت الدهشة ألسنتهم، فكانوا أصناماً لا تتكلم، أو تتحرك تأثراً من هذا المشهد المروع، ثم مد يده إلى جوانيتو، وصاح في صوت قوي النبرات حادها، وقال:

(أيها الإسبانيون! إني أبارك ولدي، وأهبه دعوات الأبوة والآن هيا أيها المركيز. أطح رأسي، ولا يأخذك الخوف أو الرعب، هيا. لا تثريب عليك)

فلبى نداء أبيه صامتاً حزيناً، وإذ ذاك أقبلت أمه، منهوكة القوى، خائرة الأوصال، كيف لا وقد رأت أبناءها جميعاً، وزوجها المركيز، تطاح رقابهم، كأنهم الماشية بل أحقر، ذلك قلب الأم الذي:

لا ربة النسيان تر ... حم حزنه وترى بكاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>