عليه صورة المسيح، أتجدون خيرا منه تستظلون بظله وترتدون إلى فيئه؟) قالوا:(إنا معك وإنا لك لأجناد مخلصون) وانضموا إليه خاضعين يستظلون بلوائه الكنسي، وهذا هو اللواء الذي كان الكاهن يشير إليه وهو يحدثنا، وهذا النصب الذي تقيمه الحكومة اليوم إنما يقام تمجيدا لهذا المكان وتخليدا لهذه الذكرى؛ فهنا اشتعلت نار الثورة الأولى، وهنا اتحدت القبائل والأحبار، وهنا وضع أساس استقلال البلاد، وجاهد القوم أعواما ذاقوا فيها حلاوة النصر ومرارة الخذلان حتى استنجدت الدولة العثمانية ببطل مصر إبراهيم باشا؛ وما هي إلا أيام حتى بدا القائد العظيم من فوق هذه الجبال، ثم انصب على هذا الدير ووقف بجواده تحت ظل هذه الشجرة العتيقة، وقد انتشرت جيوشه على الجبال في سفحها وعلى قممها وفي وديانها، وأحاطوا بالمكان إحاطة السوار بالمعصم. قال إبراهيم باشا:(احرقوا هذه البيعة حتى يخضع من فيها من الثوار) فحرقوها وخضع من فيها من الثوار، وارتد ميمما البيعة التي في ميفاسبليون، وكأنه عز عليه أن يمضي في حرق البيع والأديرة، فأرسل إلى رهبانها كتابا قال فيه:(إما أن تخضعوا أو أحرق بيعتكم كما أحرقت بيعة اجيالافرا) واجتمع الأحبار يتشاورون، ثم دفعوا إليه بكتاب يقولون فيه:(إنك إذا حاربتنا ثم انتصرت علينا فما في النصر ما يدعوا إلى الزهو والفخار، فما انتصرت إلا على بضعة نفر من الرهبان والأحبار، وأنت ذو حول وقوة بما جمعت من جيوش جرارة، وخيل كرارة، وأسلحة ممشوقة، ودروع محبوكة، وأما نحن فعددنا خفيف، وشأننا ضعيف، ليس بأيدينا من سلاح إلا هذه المسابح نسبح الله عليها في همس ووناء، وليس على أجسامنا إلا هذه المسوح السوداء، نحمي بها أجسامنا من قر الشتاء، ولا مركب لنا في هذه الجبال إلا أقدامنا الكليلة أو بغالنا الهزيلة، وإن قدر لنا أن ننتصر عليك، ونحن على ما ترى من ضعف وهوان، فما أشده من عار، وما أمره من انكسار، فتدبر أمرك وأمرنا، واقض بالرأي الأصيل)
قرأ إبراهيم خطاب الأحبار فاستشاط غضبا وأمر بالجزيرة أن تحرق كلها بما وسعت. وأشعل الجند فيها النار، والنار إذا امتدت في هذه الجبال وغابتها لا تبقي على شيء بعدها ولا يصدها شيء. إلا أن يرسل الله من السماء أمطارا، أو يجري الوديان أنهارا. واحترقت الجزيرة وكل ما في الجزيرة: إلا هذه الدير الذي يسكنه هؤلاء الأحبار، فما امتدت إليه