للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عصر كله خرافات تتسلط على عقول أبنائه الأوهام، ذلكم هو عصر اليصابات الذي يصفه كلارك بقوله: (على الرغم أن ذلك العصر كان عصر بداءة وتمهيد للعلوم المعروفة لدينا الآن، إلا أن معرفة الحقيقة والطبيعة لم تكن متقدمة للدرجة التي يستطاع بواسطتها القضاء على الخرافات السائدة؛ فكان الناس يؤمنون بالسحرة والدجالين، بالفلكين والمنجمين، بالحوريات والجنيات، بالرقي والعزائم، بالأحلام والاتصال بالأرواح. هذا الاعتقاد السائد كان أكبر عامل في وجود هذه العوالم في روايات المؤلفين الذين لم يستطيعوا بأي حال من الأحوال أن يخرجوا عن محيطهم وبيئتهم)

شكسبير والعقائد العامة:

شأن الشاعر أن يدون شعره كل ما كان معروفا في عصره من العقائد العامة، وهكذا كانت حال شاعرنا شكسبير، فقد عرف تمام المعرفة أن الخرافات القديمة كانت مواضع خلابة استعملها شعراء الإغريق والرومان في صوغ عبارتهم وتفسير معانيهم ودقائقهم. ولم تكد العصور القديمة تنطوي في عالم السجلات والتاريخ حتى ظهر هناك عالم خرافي جديد كان في حد ذاته خليفة للعصور التي سبقته، ذلك العصر هو عصر القرون الوسطى التي لم يستطع الشعراء الاستغناء عن خرافتهم في لغتهم بما نقله السلف عمن سبقهم

ومما لا شك فيه أن شاعرنا قد تأثر بعدد غير قليل من العوامل: كالجنس والمحيط والبيئة، فكان أفراد جنسه (يعتقدون أن كل ما هو غير مرئي حقيقة لا شك فيها ولا نقض)، ولم تكن الخرافات في عصره قد حوول مهاجمتها محاولة صادقة. نعم كان الإصلاح الديني أخذ في الانتشار في البلاد الإنكليزية إلا أنه كان مقصورا على المدن. أما القرى فلم تكن قد تأثرت بهذا الإصلاح أي تأثير

عاش شكسبير في عصر اضطربت فيه العقائد وتضاربت فيه الآراء، فاعتقد بعض الرجال المتعلمين اعتقادات كانت بعيدة كل البعد عن عقول غيرهم من الناس؛ وإن من حسن الحظ أن شكسبير يحاول في بعض رواياته أن يظهر لقارئيه عقائده وآراءه الشخصية. فهو يعتقد في الخرافات، ولكنه يتساءل عن أصلها وكيفية ظهورها، فهو يقول على لسان الأمير هملت:

(هل من الممكن أن نحسب ذلك الشخص الذي يقضي أوقاته كلها في الأكل والنوم رجلا؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>