للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كله فلا يوثق به

وهذه الزلة الأولى هي بدء الانهيار في طباع رقيقة متداخلة متساندة لا يقيمها إلا تماسكها جملةً، وما لم يتماسك إلا بجملته فأول السقوط فيه هو استمرار السقوط فيه. ولهذا لا يعرف الناس جريمةً واحدةً تعد سلسلة جرائم لا تنتهي إلا سقطة المرأة. فهي جريمة مجنونة كالإعصار الثائر يلف لفاً، إذ تتناول المرأة في ذاتها، وترجع على أهلها وذويها، وترتمي إلى مستقبلها ونسلها، فيهتكها الناس هي وسائر أهلها، من جاءت منهم ومن جاءوا منها

والمرأة التي لا يحميها الشرف لا يحميها شيء. وكل شريفة تعرف أن لها حياتين: إحداهما العفة، وكما تدافع عن حياتها الهلاك، تدافع السقوط عن عفتها، إذ هو الهلاك حقيقتها الاجتماعية. وكل عاقلة تعرف أن لها عقلين تحتمي بأحدهما من نزوات الآخر، وما عقلها الثاني إلا شرف عرضها

قال الأستاذ (ح): إن هذه هي الحقيقة، فما تسامح الرجال في شرف العرض إلا جعلوا المرأة كأنها بنصف عقل فاندفعت إلى الطيش والفجور والخلاعة، أرادوا ذلك أم لم يريدوه

قلت: وهذا هو معنى الحديث: (عفوا تعف نساؤكم) فان عفاف المرأة لا تحفظه المرأة بنفسها ما لم تتهيأ لها الوسائل والأحوال التي تعين نفسها على ذلك. وأهم وسائلها وأقواها وأعظمها، تشدد الرجال في قانون العرض والشرف

فإذا تراخى الرجال ضعفت الوسائل، ومن بين هذا التراخي وهذا الضعف تنبثق حرية المرأة متوجهةً بالمرأة إلى الخير أو للشر على ما تكون أحوالها وأسبابها في الحياة. وهذه الحرية في المدنية الأوربية قد عودت الرجال أن يغضوا ويتسمحوا، فتهافت النساء عندهم تنال كل منهن حكم قلبها ويخضع الرجل. . . .

على أن هذا الذي يسميه القوم حرية المرأة ليس حريةً إلا في التسمية، أما في المعنى فهو كما ترى:

إما شرود المرأة في التماس الرزق حين لم تجد الزوج الذي يعولها أو يكفيها ويقيم لها ما تحتاج إليه، فمثل هذه هي حرة حرية النكد في عيشها، وليس بها الحرية بل هي مستعبدة للعمل شر ما تستعبده امرأة

وإما انطلاق المرأة في عبثاتها وشهواتها مستجيبةً بذلك إلى انطلاق حرية الاستمتاع في

<<  <  ج:
ص:  >  >>